Friday, 31 October 2014
قفلوا الصندوق .. يا جدتى
الصندوق .. كلمة مفردة اذا ما اطلقت دون ان تضاف لما يميزها فهى تحمل معانى كثيرة .., لعل أول ما يتبادر للذهن عند
سماعها(الصندوق الاأسود ) للطائرة , لكثرة تداوله فى وسائل الإعلام , لتكرار سقوط الطائرات من كل جنس ونوع , ولأن الكوارث أصبحت السمة المميزة لحياتنا . ولكن زمان ., كان الصندق يحمل معنى مفعم بالبهجة والسجر, لانه كان يطلق على (صندوق العروسة ) وكان هذا المعنى الأكثر شيوعا .
وصندوق العروسة , هو عبارة عن صندوق خشبى كبير نوعا ما مزين بالمسامير والزخارف احيانا , يحتوى على جهاز العروسة ومن مفروشات واقمشة , وأشياء ثمينة . وكان متداولا فى مصر فى أوائل القرن العشرين , قى المدن والقرى ,ولكنه اختفى من المدن وحل محله الدولاب , وبقى فى القرى فترة أطول .كل طفلة تعرف الصندوق . لانه بمثاية (الحصالة )و فكل أم تحتفظ بجهاز ابنتها ومقتنياتها القيمة التى ستورثها لها فى الصندوق ,
مع إنتصاف القرن العشرين , تحول الصندوق الى ذكرى , و أثر, تسمع عنه بنات الطبقة المتوسطة , ولكنها لم تره قط ,وهذا كان حالى بالطبع , فلم أسمع عن الصندوق من أمى ولا من جدتى لإمى , ولكنى سمعت عن وجوده فى الدنيا من مربيتى , اما لقائى به , فكان مليئا بالاثارة والخيال , وكان بالطبع فى القرية .
رغم مساحة الحرية المهولة التى كنت أحظى بها فى القرية , بالمقارنة بالمدينة , الا أن لقائى بالصندوق كان عزيزا , وفى حاجة الى احتيال للوصول اليه . كان مثيرا لخيالى , الذى هو خصب فى الأساس كما ان حكايات دادا , الشابة الريفية الرومانسية ,والذى كان اقصى املها أن تقتنى صندوقا لابد وحتما ان يلهب خيال طفلة مثلى .
. وفى إحدى سهرات السمر مع (العاملات) فى بيت البلد ذكرت , احداهن الصندق , وعلمت ان أننا نمتلك واحدا"تعود ملكيته لجدتى أم أبى .. وتعجبت , كيف لم انتبه لوجوده ؟؟ , وهل يخفى القمر؟؟ ولكنى عرفت. انه فى البيت القديم المبنى بالطوب اللبن ,المصطف الى جوار البيوت الريفية المتراصة , فى أعماق القرية. وهو عكس بيتنا الذى يحتل ناصية كاملة على أول الطريق , ورغم جرأة عمتى , وقدرتها على غض الطرف عن تنفيذ تعليمات ماما الصارمة , إلا انى وجدت صعوبة رفضا قاطعا من عمتى لخول البيت القديم , فأهل الريف رغم تساهلهم فى اشياء كثيرة , كانت تنتابهم حالة رعب , من دخول الأطفال الى الاماكن المهجورة , ومن خروج الاطفال ساعة القيلولة , عندما تكون الشمس فى كبد السماء .
كل هذه الظروف جعلت المغامرة أكثر إثارة , لانى تحاليلت على احدى العاملات , التى اثق فى كتمانها للسر والححت عليها ان تصحبنى للبيت القديم ,الذى كان يستخدم لتخرين التبن ,
وذهبت... ووجدت هناك مغارة على بابا, لأسباب عديدة .. أولا : لم يسمح لدى ابدا بالدخول الى بيوت أى من الاقارب الذين يعيشون فى عمق القرية , لذلك , كانت المرة الأولى فى حياتى التى أرى فيها بيت , بلا نوفذ لاشتراك بيتين فى نفس الجدار
, ثانيا : لم اتخيل ان بيتا فسيحا من الممكن ان يكون فى مثل هذة الزنقة
ثالثا : لم يكن الصندوق هو الكنز الوحيد فى مغارة على بابا , بل كان النورج , وهو آله زراعية من أيام قدماء المصرين ,عبارة عن (كنبة ) خشبية مزودة بآلات حادة أشبه بالسكاكين من أسفل , يجلس عليها الفلاح سلطان زمانة , وتجرها بقرة , وتستعمل لتسوية الأرض , كان هذا الاختراع غير مسموح لى تماما بالتعامل معه , لان وجود السكاكين اسفل الدكة , جعلها مرتفعة , وتشكل خطرا اذا سقطت من فوفها طفلة مثللى , بينماالبقرة تدور .
رابعا : وجدت صندوق جدتى , وقابعا فى هذا المكان الخرب مهملا , ويعلوه التراب مما زاده سحرا وغموضا . وكاد قلبى يتوقف وانا اشاهدة عن بعد , ولا استطيع الاقتراب أو المس لانى قطعت عهدا الا أفعل , فلم تكن العاملة لتتحمل مسؤلية اقترابى ولمسى له , كانت تتعذر بالتراب لكنها فعليا , كانت تخشى الزواحف والعقارب , ولكن الصندوق , كان بارعا فى جماله , بصناعتة البدائية وقد تحول خشبه الى اللون الداكن , و زين بعملات برونزية , ومسامير بارزة ,.يعنى كل الأوصاف التى قرأتها فى كتب الأطفال عن الأشياء الخرافية , بالإضافة الى كونه مغلقا , مما اثار جنونى . فكيف لطفلة مثلى , ان ترى صندوقا مثل هذا , ولا تلمسه . وتتركه مغلقا . سرح خيالى اننى سأجد مفتنيات أسرة محمد على , وليس جدتى لأبى الفلاحة التقليدية . , أو مصباح علاء الدين , والححت فى فتحة , او حتى مجرد لمس العملات البديعة التى تزينه , ولكن العاملة حملتنى بحزم على ذراع , و حملت االوعاء المليئ بالتبن على الذراع الاخرى , اوسرعت الخطى خارج المكان , بسرعة وقوة لم اشهدها من قبل , وكأنها عامل مطافى يخرج طفلا من قلب الحريق ,
وأخذت أشير للصندق والنورج , كصديقين أقلعت بهما سفينة , حتى وصلت لعرض البحر . كدت أبكى من الإحباط , لكنها نظرت نظرة زاجرة . قائلة : إحنا اتفقنا على كده؟
وللاسف كنت قد تربيت على إحترام وعدى مهما كلفنى الأمر ,, وواقعيا هو كلفنى الكثيرفى هذة القصة , كان من الافضل لى أن أكون (عيلة’) حانثة بالوعد أو أن أحظى بلدغة عقرب أو عضة ثعبان , على ان أعيش بقية حياتى أفكر,,فى شعورى وأنا اركب النورج , أو ملمس صندق جدتى , ما يقبع داخله من عجائب و بقايا مقتنات الجدة , التى لم احظى برؤيتها , لم ترغب فى التصوير فى مصر لسبب مازلت أجهلة . لتيحيط نفسها بغموض اكثر ,وتثير فضولى , وتحرمنى من الراحة ..
!!!! شوفتى يا جدتى... قفلوا الصندوق
Labels:
القرية
,
بيت . مصباخ علاء الين
,
جدتى . المربية
,
صندق
,
طفلة .
,
عروسة
,
عملات برونزية
,
مهجور
,
نورج
Subscribe to:
Post Comments
(
Atom
)
No comments :
Post a Comment