للقرية كالمعتاد فى اجازة الصيف ,, تركت عروستى مع الحدود والجدران والقوانين .. ورغم انى كنت اسافر مع امى وابى واسرتى التى تعيش فى القاهرة , الا ان اشياء كثيرة مباحة فى القرية .. هى من المحرمات بالقطع فى القاهرة .. مثل: العب فى الشارع , الخروج بدون اذن , الخروج منفردة .. كانت هناك اسباب منطقية لدى الكبار , هى فى الواقع لا تعنينى فى شئ المهم ان رحلة القرية .. كانت جنتى الموعودة التى انتظرها بفارغ الصبر ... رغم انعدام وسائل الترفيه العديدة الموجودة فى مصر فى ذلك الوقت .. مثل التليفزيون وبعض انواع الطعام .. ولكن لايهم .. الحرية لا تقدر بثمن .. ولكن الامر (مايسلمش ) من بعض المفارقات التى يصنعها اختلاف الثقافات .. ومن هنا تأتى كوميديا الموقف ..
كانت أمى قد سمحت لى بالبقاء هذه المرة لعدة أيام مع عمتى بعد مغادرة الأسرة وبعد الحاح شديد من عمتى و منى كانت لى جارة تقطن الحارة المجاورة لبيتنا على بعد امتار من منزلنا فى (البلد) ، وعرضت على ان تصنع لى "عروسة" واخذت تسرد وتطيل فى وصف وجمال العروسة ,, وقتها لم اكن اعرف ان العروسة يمكن ان تصنع من القماش المحشو بالقطن , كل مااعرفه عروستى البلاستيك .. اذا كيف ستحضر الجارة المبدعة البلاستيك وتشكله على هيئة عروسة .. وسرحت بخيالى ..كيف ان هذه العروسة ستكون خارج الحصار ..ينطبق عليها نفس قوانين البد .. العب بها وادمرها كيفما أشاء ..وسالت ببرائة :هل تصنعى عروسة بتقول : بابا و ماما
ولكنها فاجئنى بان عروستها من القماش .. ولاتوجد امراة فى " بر مصر" تصنع عروسة مثلها .. انها ست العرايس
كان وجة الجارة يحمل كبرياء المبدعين .. لدرجة اقنعتنى انها ستصنع معجزة .. لا اظن ان "بيكاسو "كان لديه مثل فخرها وكبريائها وهو يتحدث عن لوحاته ..
ولكن الجارة .. كان لها شرطان : اولا :ان أكتم الامر عن صديقاتى حتى لا يحسدننى على استأثارى بالعروسة ..وحتى لاتقع تحت حرج ان تصنع لهن مثلها ....
ثانيا: ان احضر مراسم صنع العروسة بنفسى ..و اوحت لى بانها متعة .. لا يضاهيها متعة
وامتثلت للامرين .. وكتمنت الامر عن صديقاتى اثناء اللعب المسائى , وودعتهن وتسللت لمنزل الجارة لحضور مراسم صنع العروسة .
ويالها من ليلة ....
كل شئ فى هذه الليلة كان مغلف بالضباب .. بدءا من الجلوس فى بيت الجارة امام العتبة المرتفعة التى تميز بيوت الربف المصرى فى ذلك الوقت ,على ضوء مصباح الكيروسين ...فالكهرباء فى ذلك الوقت كانت رفاهية لا يستطيع على تكلفتها كل ابناء القرية
وصولا الى ذلك الفناء الضيق فى بيتها المصنوع من الطوب اللبن .. واجلستنى على" شلتة "فى صلابة الحجر ..اكراما لى
..بينما هى وابنتيها المراهقتين ، يجلسن على الارض مباشرة ..كل هذه الاشياء كانت غريبة على تماما ,,فمنزلنا فى البلد لم يكن يختلف عن بيت (مصر) فى شئ غير انه ارحب ومكون من عدة ادوار وبه فرن ومواشى ودجاج وكلاب وقطط ,و كلها اشياء رائعة
وميزت فى ذلك الجو الضبابى .. تعبيرا على وجه الجارة لم اكن ادرى ما هو .. لكنه جعلنى اشعر بالانقباض , تعبير من يسدى لك خدمة او يقدم لك معروفا ويعلم انها تستحق مقابل ولكنه لن يأخذ مقابل .. فقط يريد ان يشعرك بأهمية ما يفعل وعظمته .. و ياله من شعور ..
وبدأت المراسم ...واخذت المرأة تقطع القماش الابيض الناصع اللى قطع مستطيلة ,, وتوصلها ببعضعا البعض لتحشوها بالقطن,وكان ذلك بالنسبة لى اشبه بذبح الخروف وتقطيعه ,, وهو محل خلاف عند الاطفال ,, ففى حين يراه البعض متعة ,, يراه أخرون مثيرا اللاشمئزاز لدرجة تحرم عليهم أكل اللحم ... وكنت انا من النوع الثانى,
ولكن الاسوأ فى هذه الليلة لم يكن قد حدث بعد .. وجاء وقت تركيب الشعر ورسم ملامح الوجه .. وفوجئت بالجارة تطلب من إحدى ابنتيها قص جزء من اطراف ضفيرتهاالسوداء لتضعها على رأس العروسة .. هكذا بلا رحمة .. ثم اخذت خيطا اسود ورسمت به عيون وحواجت العروسة .. وتركت فمها لخيالى لانها لا تملك بالطبع خيطا أحمر .
وتصبب العرق من جسدى كله .. من شدة الصدمة وطول الانتظار .. كما بدا التعب والانهاك على المرأة الفنانة لطول وقت (ولادة ) ذلك الكائن المرعب ...
وجاء وقت الاستلام .. وفكرت ان اطلق ساقى للريح واجرى .. ولكن ذلك .يعتبر قلة ادب رسمى .. ويكفى ان اكون متعبة ومحبطة وخائفة ..لكن لست قليلة ادب .. وحملت العروسة فاذا بها ثقيلة الوزن . وشعرت ان وزنها يفوق وزنى .
ولكن الجارة الموهوبة .. لم تتوقف عن ابهارى .. .. وسأتنى بنظرة فاحصة كأنها تريد ان تدخل عقلى وكتشف مشاعرى .. الا تسميها كل طفلة تسمى عروستها .. كان الموقف اكبر من احتمالى ... ماذا اسمى تللك القبيحة التى تشبه "ريا وسكنينة " وتحملت من اجلها كل هذا ...واجبت : لا اعرف
هنا جاءت كوميديا الموقف ..هل اسميها انا لك
... ..كاد قلبى يتوقف فلا يوجد اسود من هذه الليلة سوى هذا الحدث ,, ووقع نظرى على وجه الابنتين ووجدتهما تترقبان بحبور وفخر وشعرت لوهلة انهما تنتظران ان تسمى المولودة على اسم احداهن .. وتسمرت من الارتباك وشعرت بوهن شديد فى ساقى من ثقل العروسة والارهاق وخيبة الامل .. وها انا سأظفر باسم ليس على ذوقى فى نهاية المطاف ..
. . ولاحظت الجارة وهنى .. وقالت : لايهم سميها بعدين اسم "بندرى " انت دلوقت نعسانة الوقت تأخر ..
وتنفست الصعداء .. وخرجت متخطية بجسدى الضعيف عتبة البيت العالية جدا.. حاملة العروسة "اللى ماتتسماش :" ثم استدرت نحوها بعد ان تذكرت انى لم اشكرها ... وشكرتها .. وكررت االتحذير بالا اخبر احدا من البنات عن العروسة .. واكدت انى لن افعل .
وسرت بها عددا من الامتار حتى وصلت البيت، شعرت وكأنها اميال,,ودخلت المنزل وسط عاصفة من العتاب .. سريعا ماتحولت الى عطف ودلال بعد ان لاحظوا انهاكى لدرجة انى حملت من الباب حتى الفراش فى الدور العلوى .. و القيت العروسة القبيحة الثقلية فى حضن "دادة" مع التوصية بحبسها فى غرفة اخرى بعيدة عنى
ونمت احلم بعروستى فى مصر
No comments :
Post a Comment