الصندوق .. كلمة مفردة اذا ما اطلقت دون ان تضاف لما يميزها فهى تحمل معانى كثيرة .., لعل أول ما يتبادر للذهن عند
سماعها(الصندوق الاأسود ) للطائرة , لكثرة تداوله فى وسائل الإعلام , لتكرار سقوط الطائرات من كل جنس ونوع , ولأن الكوارث أصبحت السمة المميزة لحياتنا . ولكن زمان ., كان الصندق يحمل معنى مفعم بالبهجة والسجر, لانه كان يطلق على (صندوق العروسة ) وكان هذا المعنى الأكثر شيوعا .
وصندوق العروسة , هو عبارة عن صندوق خشبى كبير نوعا ما مزين بالمسامير والزخارف احيانا , يحتوى على جهاز العروسة ومن مفروشات واقمشة , وأشياء ثمينة . وكان متداولا فى مصر فى أوائل القرن العشرين , قى المدن والقرى ,ولكنه اختفى من المدن وحل محله الدولاب , وبقى فى القرى فترة أطول .كل طفلة تعرف الصندوق . لانه بمثاية (الحصالة )و فكل أم تحتفظ بجهاز ابنتها ومقتنياتها القيمة التى ستورثها لها فى الصندوق ,
مع إنتصاف القرن العشرين , تحول الصندوق الى ذكرى , و أثر, تسمع عنه بنات الطبقة المتوسطة , ولكنها لم تره قط ,وهذا كان حالى بالطبع , فلم أسمع عن الصندوق من أمى ولا من جدتى لإمى , ولكنى سمعت عن وجوده فى الدنيا من مربيتى , اما لقائى به , فكان مليئا بالاثارة والخيال , وكان بالطبع فى القرية .
رغم مساحة الحرية المهولة التى كنت أحظى بها فى القرية , بالمقارنة بالمدينة , الا أن لقائى بالصندوق كان عزيزا , وفى حاجة الى احتيال للوصول اليه . كان مثيرا لخيالى , الذى هو خصب فى الأساس كما ان حكايات دادا , الشابة الريفية الرومانسية ,والذى كان اقصى املها أن تقتنى صندوقا لابد وحتما ان يلهب خيال طفلة مثلى .
. وفى إحدى سهرات السمر مع (العاملات) فى بيت البلد ذكرت , احداهن الصندق , وعلمت ان أننا نمتلك واحدا"تعود ملكيته لجدتى أم أبى .. وتعجبت , كيف لم انتبه لوجوده ؟؟ , وهل يخفى القمر؟؟ ولكنى عرفت. انه فى البيت القديم المبنى بالطوب اللبن ,المصطف الى جوار البيوت الريفية المتراصة , فى أعماق القرية. وهو عكس بيتنا الذى يحتل ناصية كاملة على أول الطريق , ورغم جرأة عمتى , وقدرتها على غض الطرف عن تنفيذ تعليمات ماما الصارمة , إلا انى وجدت صعوبة رفضا قاطعا من عمتى لخول البيت القديم , فأهل الريف رغم تساهلهم فى اشياء كثيرة , كانت تنتابهم حالة رعب , من دخول الأطفال الى الاماكن المهجورة , ومن خروج الاطفال ساعة القيلولة , عندما تكون الشمس فى كبد السماء .
كل هذه الظروف جعلت المغامرة أكثر إثارة , لانى تحاليلت على احدى العاملات , التى اثق فى كتمانها للسر والححت عليها ان تصحبنى للبيت القديم ,الذى كان يستخدم لتخرين التبن ,
وذهبت... ووجدت هناك مغارة على بابا, لأسباب عديدة .. أولا : لم يسمح لدى ابدا بالدخول الى بيوت أى من الاقارب الذين يعيشون فى عمق القرية , لذلك , كانت المرة الأولى فى حياتى التى أرى فيها بيت , بلا نوفذ لاشتراك بيتين فى نفس الجدار
, ثانيا : لم اتخيل ان بيتا فسيحا من الممكن ان يكون فى مثل هذة الزنقة
ثالثا : لم يكن الصندوق هو الكنز الوحيد فى مغارة على بابا , بل كان النورج , وهو آله زراعية من أيام قدماء المصرين ,عبارة عن (كنبة ) خشبية مزودة بآلات حادة أشبه بالسكاكين من أسفل , يجلس عليها الفلاح سلطان زمانة , وتجرها بقرة , وتستعمل لتسوية الأرض , كان هذا الاختراع غير مسموح لى تماما بالتعامل معه , لان وجود السكاكين اسفل الدكة , جعلها مرتفعة , وتشكل خطرا اذا سقطت من فوفها طفلة مثللى , بينماالبقرة تدور .
رابعا : وجدت صندوق جدتى , وقابعا فى هذا المكان الخرب مهملا , ويعلوه التراب مما زاده سحرا وغموضا . وكاد قلبى يتوقف وانا اشاهدة عن بعد , ولا استطيع الاقتراب أو المس لانى قطعت عهدا الا أفعل , فلم تكن العاملة لتتحمل مسؤلية اقترابى ولمسى له , كانت تتعذر بالتراب لكنها فعليا , كانت تخشى الزواحف والعقارب , ولكن الصندوق , كان بارعا فى جماله , بصناعتة البدائية وقد تحول خشبه الى اللون الداكن , و زين بعملات برونزية , ومسامير بارزة ,.يعنى كل الأوصاف التى قرأتها فى كتب الأطفال عن الأشياء الخرافية , بالإضافة الى كونه مغلقا , مما اثار جنونى . فكيف لطفلة مثلى , ان ترى صندوقا مثل هذا , ولا تلمسه . وتتركه مغلقا . سرح خيالى اننى سأجد مفتنيات أسرة محمد على , وليس جدتى لأبى الفلاحة التقليدية . , أو مصباح علاء الدين , والححت فى فتحة , او حتى مجرد لمس العملات البديعة التى تزينه , ولكن العاملة حملتنى بحزم على ذراع , و حملت االوعاء المليئ بالتبن على الذراع الاخرى , اوسرعت الخطى خارج المكان , بسرعة وقوة لم اشهدها من قبل , وكأنها عامل مطافى يخرج طفلا من قلب الحريق ,
وأخذت أشير للصندق والنورج , كصديقين أقلعت بهما سفينة , حتى وصلت لعرض البحر . كدت أبكى من الإحباط , لكنها نظرت نظرة زاجرة . قائلة : إحنا اتفقنا على كده؟
وللاسف كنت قد تربيت على إحترام وعدى مهما كلفنى الأمر ,, وواقعيا هو كلفنى الكثيرفى هذة القصة , كان من الافضل لى أن أكون (عيلة’) حانثة بالوعد أو أن أحظى بلدغة عقرب أو عضة ثعبان , على ان أعيش بقية حياتى أفكر,,فى شعورى وأنا اركب النورج , أو ملمس صندق جدتى , ما يقبع داخله من عجائب و بقايا مقتنات الجدة , التى لم احظى برؤيتها , لم ترغب فى التصوير فى مصر لسبب مازلت أجهلة . لتيحيط نفسها بغموض اكثر ,وتثير فضولى , وتحرمنى من الراحة ..
!!!! شوفتى يا جدتى... قفلوا الصندوق