Friday, 12 February 2016

وادى الذهب

ألأغلال.. أسوأ ما يراه المرء فى كابوس ..
الأغلال كابوس. والطمع كابوس ، يفضى الى الجحيم  .
كم منا يستطيع ان يدفع تكلفة الجنة؟؟؟ كم من البشر يستطيع أن يترك الطمع ..
إنه نفس القدر من البشر ،  الذى يستطيع أن يسعى للجنة
  كلنا يعلم الحلال والحرام , وكثيرون من يختارون الحرام لأنه  سهل . كم من بشر يرفسون فى أغلال لمجرد أطماع  فى أشياء لن تسعدهم لكنهم يظنون أنها كذلك، فتتحول الحياة  فى النهاية الى "مائدة قمار " لا يستطيع تركها  فهم يعيشون فى انتظار مكسب "لا يتحقق" .
بمرور الوقت تتراكم الخسارة ويمنون أنفسهم بالأمانى .. أمانى المكسب الذى يعوض الخسارة..
الرغبة فى جنى كل شىء .. و هل يستطيع أحد أن يجنى كل شيء ؟؟ يذكرنى ذلك بحدوتة أدمت قلبى فى طفولتى
 تروى :
 أنه كان هناك واد للذهب و طمع رجل  فى أن يجنى كل ذهب الوادى .. و على طريقة الحواديت اشترط عليه أحد "عباد الله" أن يجمع ما يستطيع من ذهب من مطلع الشمس لغروبها .. فوافق واجتهد فى الجمع الى أن خارت قواه وهو يرقب مغيب الشمس ، وطمع فى المزيد و منى نفسه ان الغروب لن يدركه ، سيبقى فقط دقائق يجمع فيها المزيد من الذهب و لكنه سيكون حذرا ..نعم سيخرج من الوادى فى الوقت الذى يقرر ..فقط سيكسب المزيد ولن يخالف الشرط وقررالمغادرة بما حمل من ذهب  . رأى جزء من قرص الشمس بدأ فى الاختباء فى الافق ، لم يعر الأمر أهمية. انه فقط جزء من القرص و ليس القرص بالكامل ، لن يشكل ذلك فارقا فهو ملتزم بالشرط .
فالشمس لم تغب .
و جاء موعد حمل الثروة ، وجدها ثقلية تجره الى الأرض كالأغلال ، لم يهتم ، سيكافح يسير أو يزحف ..لا يهم المهم أنه جمع ثروة تغير حياته و تسخر له الدنيا ..انه الذهب
ماذا لديه ليتعب من أجله أكثر من جمع الذهب؟؟
إنه من الآن يملك كل شىء من الرفاهية حتى طاعة البشر .
و خرج من الوادى و هو يشعر بالفوز  ،  ولكنه لم يتنبه للفخ
فمن اشترط عليه ان يخرج قبل الغروب لم يذكر له الشرط الجزائى و هو الثمن إذا لم يلتزم بالشرط.
هو لم يسأل ، و "عبد الله" لم يخبره . و بقيت الحقيقة غائبة.
..فوادى الذهب أضاع عمره ..لقد دخله شابا وخرج منه عجوزا لا تحمله قدماه ، لانه خرج بعد غروب الشمس ، فشبابه مرهون بغياب الشمس .
سار فى طريقه لداره وسط دهشة أهل بلدته ، و قرأ فى عيونهم أسئلة لم يفهمها .
وصل داره  ، ووضع حمله و أراد أن يرتاح ثم يعود ليعد ثروته . كانت المرة الأولى التى يقع فيها نظره على يديه منذ ان خرج من الوادى ، ووجد يد عجوز متغضنه ، انها ليست يده ، أين يده الشابة ؟ شمر كمه لينظر الى ذراعه فوجد ذراع مترهل ، أين عضلاته المفتولة التى جمع بها الذهب؟
ووجد قلبه يرتجف و يخفق فى وهن و أنفاسه تكاد تنقطع .
و توجه للمرآة ، و عندما نظر لنفسه فى المرآة وجد و كأن جده يطل عليه منها ، لم يجد ايا  من ملامح الشاب الذى توجه نحو الوادى فى أول النهار .و صرخ
كره شكله و أدرك الفخ الذى نصب له .
و عندما سأل صارخا :
*لماذا ؟
أجابه الصوت الذى اشترط عليه فى البداية :
*لقد وافقت ان تنصرف قبل الغروب .
*لم تقل أن الثمن عمرى
*لم تسأل حتى أجب ، لقد فكرت فى الذهب ثم انشغلت بجمع الذهب و لم تسأل ما هو ثمن الذهب ؟
*ظننت أن الذهب يشترى كل شيء
*الذهب هو الثمن الذى تدفعه ، لكنه ليس بالضرورة يشترى.
ووضع يده على عينيه حتى لا يرى تغضن وجهه :
*هل أستطيع أن أعيد الذهب للوادى  و أستعيد شبابى .
وقههه الصوت :
*لقد أخترت ما اعتبرته صفقة ، أحتل الذهب عقلك حتى حوله لجماد ، لم يترك له مساحة ليفكر ككائن حى فى الشرط فقط ركضت نحو الذهب .
لقد واتاك الحظ و أخذت نصيبك منه ، و نصيبك مال بلا شباب وانت من حكمت.
*إنه فخ
*لا يوجد صفقة غير محفوفة بالفخاخ ،من يقدر على عقد الصفقات عليه أن يتقى الفخاخ .
تلك هى قواعد اللعبة و أنت ارتضيتها.
عش مع الذهب وودع الشباب .
فعندما شعرت بثقل الذهب يجرك للارض لم تتراجع ، أخترت الأغلال ،
*هل سأجد حبيبتى ؟ هل سأجد اصدقائى ؟هل سأجد أهلى ؟
قهقه الصوت مرة اخرى :
*لقد فصل الغروب بينك و بين كل هذا ، لقد فقدت عشرات السنين منذ اللحظة التى بدأ فيها قرص الشمس فى الاختفاء فى الافق.
لقد ذهب كل هذا و أنت تجمع الذهب ، لم يبق أمامك سوى ان تقضى ما بقى من حياتك تعده و تحتضنه ، لقد آثرته عما سواه . انه اختيارك.
ألم تقرأ نظرات اهل قريتك حين عودتك ، الم تر ان عيونهم تقول ما الذى أعاد هذا الرجل الى القرية مرة أخرى ؟
لقد ودعت كل شىء لحظة اختيارك البقاء بعد الغروب ، لقد نسيك من غادرتهم .
كلنا مخير  ، ولكن علينا فقط أن نعرف شروط اللعبة و أن نفهم معنى الغروب .

No comments :

Post a Comment