Tuesday, 16 February 2016

مشاهدات : إنذار بالطاعة .. الجبناء يمتنعون

أعرف أن ما أكتبه سيكون صادما لمن عرفونى شخصيا الاصدقاء  ,  ولمن عرفونى ايضا  من خلال الشاشة .. وأكاد اسمعهم   يرددون فى أنفسهم " تبان محترمة "  "يا خسارة كانت بعقلها "
لكنى فى الواقع انى اكره "عمليات  التجميل " بكل أشكالها وأفضل أن أتعامل مع تجاعيد الواقع بكل ما تمثله من صدمة و جمال ..
 نعم  جمال , فما يزيد من تفاصيل مؤلمة على وجوهنا او حياتنا ,, قد تصنع جمالا .. لا يراه الا الخاصة ..أما العامة فستستغرقهم تفاصيل تزيد حالة النفاق التى يعيشها المجتمع .
أعلان بالحب .. أرسلة رجل لمرأة  حصل على جسدها وسلبها أعز ما تمكلك الفتاة .. اى نعم . شوفوا بقى أعز ماتملك !!.. ارسل انذارا.. على يد محضر وقاضاها أمام المحاكم واعلن للشارع و الحتة ان " الست دى زوجتى " مستندا لرسالة ,كانت أرسلتها اليه عندما تسلل الشك الى نفسه , بعد اعترافها له انها فقدت.. أعز ما تملك الفتاة  شوفوا بقى أعز ما تملك !!  شك لوهله  انه الفاعل   .. وسرعان ما تراجع  .ليقول : ليس لرجل سواى الحق فيك . لأنك زوجتى 
 أعلان بالحب , أو  إنذار بالطاعة .. أرسل رجل احب يصدق,, من خلال جهات رسمية ووزارة العدل شخصيا , ليعلن حبيبته ويعلن للجميع  انه سيحميها من نفسها  ولن يسمح لآخر بلمسها .. أرسله لمن هى بحكم الشرع "زانية "و بلغة المجتمع "عاهرة " .. أرسله رجل عرف نفسه , أحب تفاصيل محبوبتة بخلطة العشاوائات التى تجرى فى دمها , وأحب معها واقعا قبيحا متمثلا فى "أمها " المتسلطة , التى لا  تكف عن ضربها حتى تطيعها وتتزوج  رجلا غنيا , أحبها بترددها وخوفها من أمها ,, وحماها من ضعف مقاومتها و القهر الذى تعيش فى ظله .
انه فيلم "انذار بالطاعة " للمخرج : عاطف الطيب .. رحمه الله .. الذى لا طالما أذهل المصرين بلمس موضع الداء فى واقعهم , وتجسيد هذا الواقع بروح فنان  ,ومعاناة ابن بلد , وقلب جرئ ..
لم يواجه لأى فيلم من افلام الطيب هجوما, مثلما حدث مع (إنذار بالطاعة )  وصنف انه فيلم  هابط وغير أخلاقى , وانه شطب على تاريخة بفيلم تجارى  يروج لافكارشاذة عن مجتمعنا , لكنى فى الواقع اصنفه انه الاكثر جرأة  فى كشف نفاق المجتمع و تعريته , ولكنه خاض موضوعا  يدير عنه المجتمع وجهة  , فى نفس الوقت الذى يتظاهر فيه بالشجاعة بالدخول فى الغام الفساد السياسى  والمالى والحديث عن الكبار . ..
" الطيب " صدم المجتمع باستعراض نموذج لرجل شجاع , فهم مشاعره, لم يخجل من حبه ولا خطيئتة , ولا انه احب خاطئة .. ولم يهتم ان رآه الناس قديسا أو شيطانا .
صفع حبيبته وصفها بالعهر , عندما ابلغته انها رضخت لرغبة امها و ستتزوج رجلا غنيا , لم يفعل ذلك وهى فى احضانه
, ولم يواجه تخليها عنه بان يقول : بالسلامة .." ح ياخد اللى فاضل منى "  . " ما اتجوزش واحدة سلمت لى نفسها "
انه رجل صادم .. فى جمال احساسه , نادر فى قدرتة على ترجمة ما يحس لأفعال  . له  فهمه الخاص للحب , ويملك القدرة على منح الثقة و الحماية , المحامى الذى فرض فلسفتة فى الحياة على مجتمعة البسيط , الذى لا يكاد  يرى من الحياة غير أسباب العيش, وهامش بسيط من الرفاهية  . فاجأ مجتمعه بأن  رفع قضية طاعة على حبيبتة  واعتبرها زوجتة ,  فى الوقت الذى اعتبرت هى  فعله فضيحة وتنكيلا ,, اعتبره هو دفاعا مشروعا عن حبه وعن حياته  , لم يفعل ذلك  لينتقم منها و يكشف سترها  ثم يتركها بعد ان تضيع  فرصة الزواج .
لقد اعتبر نفسه مسؤلا معها عما اقترفاه سويا , واعتبرالعلاقة بينهما زواجا يستحق أن يشهر , واعتبرها زوجة , يرضى ان تحمل اسمه .
الموت حبا  .. مشهد تم تصويره باقتدار ..يوم خطوبتها وهو يصارع فى فراشه الالم  , و يحاول منع وصول صوت الموسيقى لاذنية بضغطهما بالوسادة , وهى ترقص وهو يتألم.. حتى نزف من أذنه  نزيفا قد يؤدى للموت
 .واختلط صوت الموسيقى , بسارينة الاسعاف .
بعدها قرر الاحتفاظ بحياته , وحبه واستخدم اسلحته كمحامى لاسترداد حبيبتة .. تصرف شجاع .. جدير بكراهية الجبناء
ولتنتهى المعضلة بالمشهد الاخير :  
عندما تتسلل  حبيبته لبيته تحت جنح الظلام لتستجديه ان يرفع عنها الفضيحة ويسحب القضية ,, 
فيتجدد الحب و يرفعها عن الارض معانقا ويدور بها فى غرفته المتواضعة .. ولتعترف بعد طول غباء منها : وحشتنى 
انذار بالطاعة .. جسد  نمط الحب الذى يهمس به كل منا لنفسه , الحب الذى يتحول لجزء من الروح ,, ان ذهب اختلت الروح او زهقت 
انذار بالطاعة ...جسد نمط الرجل يعرف معنى الحماية والحب , الفقير فارس الاحلام  .. الذى لا يوجد سوى فى الاحلام  .





Friday, 12 February 2016

وادى الذهب

ألأغلال.. أسوأ ما يراه المرء فى كابوس ..
الأغلال كابوس. والطمع كابوس ، يفضى الى الجحيم  .
كم منا يستطيع ان يدفع تكلفة الجنة؟؟؟ كم من البشر يستطيع أن يترك الطمع ..
إنه نفس القدر من البشر ،  الذى يستطيع أن يسعى للجنة
  كلنا يعلم الحلال والحرام , وكثيرون من يختارون الحرام لأنه  سهل . كم من بشر يرفسون فى أغلال لمجرد أطماع  فى أشياء لن تسعدهم لكنهم يظنون أنها كذلك، فتتحول الحياة  فى النهاية الى "مائدة قمار " لا يستطيع تركها  فهم يعيشون فى انتظار مكسب "لا يتحقق" .
بمرور الوقت تتراكم الخسارة ويمنون أنفسهم بالأمانى .. أمانى المكسب الذى يعوض الخسارة..
الرغبة فى جنى كل شىء .. و هل يستطيع أحد أن يجنى كل شيء ؟؟ يذكرنى ذلك بحدوتة أدمت قلبى فى طفولتى
 تروى :
 أنه كان هناك واد للذهب و طمع رجل  فى أن يجنى كل ذهب الوادى .. و على طريقة الحواديت اشترط عليه أحد "عباد الله" أن يجمع ما يستطيع من ذهب من مطلع الشمس لغروبها .. فوافق واجتهد فى الجمع الى أن خارت قواه وهو يرقب مغيب الشمس ، وطمع فى المزيد و منى نفسه ان الغروب لن يدركه ، سيبقى فقط دقائق يجمع فيها المزيد من الذهب و لكنه سيكون حذرا ..نعم سيخرج من الوادى فى الوقت الذى يقرر ..فقط سيكسب المزيد ولن يخالف الشرط وقررالمغادرة بما حمل من ذهب  . رأى جزء من قرص الشمس بدأ فى الاختباء فى الافق ، لم يعر الأمر أهمية. انه فقط جزء من القرص و ليس القرص بالكامل ، لن يشكل ذلك فارقا فهو ملتزم بالشرط .
فالشمس لم تغب .
و جاء موعد حمل الثروة ، وجدها ثقلية تجره الى الأرض كالأغلال ، لم يهتم ، سيكافح يسير أو يزحف ..لا يهم المهم أنه جمع ثروة تغير حياته و تسخر له الدنيا ..انه الذهب
ماذا لديه ليتعب من أجله أكثر من جمع الذهب؟؟
إنه من الآن يملك كل شىء من الرفاهية حتى طاعة البشر .
و خرج من الوادى و هو يشعر بالفوز  ،  ولكنه لم يتنبه للفخ
فمن اشترط عليه ان يخرج قبل الغروب لم يذكر له الشرط الجزائى و هو الثمن إذا لم يلتزم بالشرط.
هو لم يسأل ، و "عبد الله" لم يخبره . و بقيت الحقيقة غائبة.
..فوادى الذهب أضاع عمره ..لقد دخله شابا وخرج منه عجوزا لا تحمله قدماه ، لانه خرج بعد غروب الشمس ، فشبابه مرهون بغياب الشمس .
سار فى طريقه لداره وسط دهشة أهل بلدته ، و قرأ فى عيونهم أسئلة لم يفهمها .
وصل داره  ، ووضع حمله و أراد أن يرتاح ثم يعود ليعد ثروته . كانت المرة الأولى التى يقع فيها نظره على يديه منذ ان خرج من الوادى ، ووجد يد عجوز متغضنه ، انها ليست يده ، أين يده الشابة ؟ شمر كمه لينظر الى ذراعه فوجد ذراع مترهل ، أين عضلاته المفتولة التى جمع بها الذهب؟
ووجد قلبه يرتجف و يخفق فى وهن و أنفاسه تكاد تنقطع .
و توجه للمرآة ، و عندما نظر لنفسه فى المرآة وجد و كأن جده يطل عليه منها ، لم يجد ايا  من ملامح الشاب الذى توجه نحو الوادى فى أول النهار .و صرخ
كره شكله و أدرك الفخ الذى نصب له .
و عندما سأل صارخا :
*لماذا ؟
أجابه الصوت الذى اشترط عليه فى البداية :
*لقد وافقت ان تنصرف قبل الغروب .
*لم تقل أن الثمن عمرى
*لم تسأل حتى أجب ، لقد فكرت فى الذهب ثم انشغلت بجمع الذهب و لم تسأل ما هو ثمن الذهب ؟
*ظننت أن الذهب يشترى كل شيء
*الذهب هو الثمن الذى تدفعه ، لكنه ليس بالضرورة يشترى.
ووضع يده على عينيه حتى لا يرى تغضن وجهه :
*هل أستطيع أن أعيد الذهب للوادى  و أستعيد شبابى .
وقههه الصوت :
*لقد أخترت ما اعتبرته صفقة ، أحتل الذهب عقلك حتى حوله لجماد ، لم يترك له مساحة ليفكر ككائن حى فى الشرط فقط ركضت نحو الذهب .
لقد واتاك الحظ و أخذت نصيبك منه ، و نصيبك مال بلا شباب وانت من حكمت.
*إنه فخ
*لا يوجد صفقة غير محفوفة بالفخاخ ،من يقدر على عقد الصفقات عليه أن يتقى الفخاخ .
تلك هى قواعد اللعبة و أنت ارتضيتها.
عش مع الذهب وودع الشباب .
فعندما شعرت بثقل الذهب يجرك للارض لم تتراجع ، أخترت الأغلال ،
*هل سأجد حبيبتى ؟ هل سأجد اصدقائى ؟هل سأجد أهلى ؟
قهقه الصوت مرة اخرى :
*لقد فصل الغروب بينك و بين كل هذا ، لقد فقدت عشرات السنين منذ اللحظة التى بدأ فيها قرص الشمس فى الاختفاء فى الافق.
لقد ذهب كل هذا و أنت تجمع الذهب ، لم يبق أمامك سوى ان تقضى ما بقى من حياتك تعده و تحتضنه ، لقد آثرته عما سواه . انه اختيارك.
ألم تقرأ نظرات اهل قريتك حين عودتك ، الم تر ان عيونهم تقول ما الذى أعاد هذا الرجل الى القرية مرة أخرى ؟
لقد ودعت كل شىء لحظة اختيارك البقاء بعد الغروب ، لقد نسيك من غادرتهم .
كلنا مخير  ، ولكن علينا فقط أن نعرف شروط اللعبة و أن نفهم معنى الغروب .