Tuesday, 7 November 2023

أهل العطاء

 البشر أنواع ..فهناك بشر يمكنهم الزرع أينما وطأت أقدامهم ؛ فالمعطاؤن لا يمكن أن يتساوا بغيرهم ؛ أو أن يتم نسيانهم بمجرد مغادرتهم الدنيا أو المكان لسبب أو لٱخر.

فليس كل من كان قابل للنسيان .
فهم قادرون على الإحاطة بالقلب و إرباك العقل و غمرك بالافكار ؛ يضعون على روحك بصمة كوشم لا تغادر ؛ ينثرون عبيرهم فى الهواء حولك ؛ فإن غادروا بأجسادهم بقي عبيرهم ؛ يغرسون اهتماما كرؤوس الدبابيس ؛ تبقى تؤلمك أينما توجهت ؛ إن أقدمت على مغادرتهم ؛ فهم يرقبون أشياءك التى تحبها و يهتمون بها ؛ ويوما بعد يوم تجدها تنتشر حولك كهدايا بسيطة ؛ لكنها فى الحقيقة جواسيس مزروعة فى حياتك ؛ تنظر إليك ليل نهار ؛ تحدثك عنهم و تذكرك بهم ؛ فى صحوك ومنامك .
المعطاؤن قادرون على أن يواسون و ينصحون و يمرضون و يطبخون ؛ وفى كل عمل هم يودعون جزءا من أرواحهم ؛ كخلطة توابل شرقية ؛ يصعب الوصول لسرها ؛ لتجد نفسك فى نهاية المطاف ؛ حبيسا بين طيفهم و عشقهم و رائحتهم .. حيث لا مفر .
ليس كل موجود هو فى القلب و ليس كل غائب هو منسى .فالشخص المعطاء قادر على أن يتخلل مسام البشرية . فهو إنسان مخلص بلا تكلف ؛ و عندما تقع عليه عيناك ؛ تشعر و كأن الله نحت وجهه بيده ؛ فهو شخص ٱسر دائما ؛ له عينان تكشفان عن قلب تتزاحم داخله هموم البشرية ؛ و روح رقراقة كنبع صاف متدفق خلق ليروى كائنا من كان ؛ ونور يسعى بين يديه أينما توجه؛ و عطاء لا ينقص بالعطاء .
المعطاء شخص تلقائى؛ كثيرا ما يؤذى نفسه ؛ فهناك علاقة عكسية بين العطاء و العقل و طردية بين العطاء و القلب ؛ فقطار عواطفه منزوع المكابح ؛ سهل الاصطدام ؛ كثيرا ما يوضع أمامه الفخاخ ...فيسقط و يتأذى
لكن ما أن يخرج بعون الله من الفخ ؛ حتى يعاود السعى مرة أخرى لمواصلة العطاء ؛ كطفل يضحك أثناء البكاء ؛ أو كسماء تشرق شمسها من بين الغيوم ؛ فمثله لم يخلق للانطفاء ؛ و عليه أن يعيش كصاحب همة صامد فى وجه الأهوال .
فالمعطاء تجده دائما من أحباب الله و خاصتة ؛ فنوره الذى يسعى بين يديه ؛ يجعله يتصدر المشهد أينما كان ؛ و عطاؤه قفص مسحور ؛ يسحر كل الخليقة من حيوان و إنسان.
المعطاء محسود على عطائه من عديمى الهمة و من الأغبياء ؛ فهو الحب أخذا و عطاء ؛ فليس فى الكون من هو محسود كأهل الحب و العشاق ؛فرغم سهرهم و نحول أبدانهم ؛ تبقى قصصهم تحكى عبر الأجيال ؛ و يبقى أثرهم و عطرهم يفوح فى أرجاء البلاد .. فهم سعداء
و إن عاشوا فقراء ؛ و رغم عذاب العشق لم تفقد عيونهم براءة الأطفال.
فالحب و العطاء صنوان لا يفهمه عديمو الرحمة و عشاق الذات ؛ فالحب خلود و قد حرم الخلود من أطاع الشيطان .
ايها الأنانى الغبى .. كم انت منسى و انت على قيد الحياة
أنت لم تكن يوما على قيد الحب ؛ فأنت غائب من الوجدان ؛ بلا ظل ؛ و لست أيضا على قيد العطاء ؛ فمن أين يأتيك النور و أنت تتنكر للعطاء ؟
لن يهتف أحدهم باسمك حبا و لا شوقا ؛ و لا حتى قهرا إن فارقت الحياة .. انت أتعس خلق الله.
لم تغرس غرسا لتجنى ثمرا ؛ و تركت طوعا مفاتيح القلوب ؛ لم ترع مريضا أو مظلوما ؛ أو من ملك فؤاده حب أضناه ؛ لم تذق السهر يوما ..حبا أو خوفا على سواك أو من أجل الإله .
إن أفلت ذكرك من نسيان ؛ سيقولون : كان بلا رحمة ؛ و لن تحظ بمدح أو لمحة عرفان .