لم.تسمح لنا قط بالاحتفال بعيد ميلادك رغم حرصك على الاحتفال بأعياد ميلادنا و إشاعة أجواء المرح و الحنان
أبى محمد عبد الحليم عبد الله .
رجل بسيط عاش ينشر الحب ويفشى السلام .
يأكل قليلا و يفكر كثيرا و يعتنى بمن حوله طول الوقت .
فلاح ظن فى طفولته أن قرية كفر بولين مركز كوم حمادة بمحافظة البحيرة هى حدود الكون ، و قناطر كفر بولين تروى أرضها لتطعم العالم .و أغلب الظن أنها بقيت كذلك داخل نفسه حتى دفن فى ثراها.
محمد عبد الحليم عبدالله ، الأديب الإنسان ، الذى لم يضع حدا فاصلا بين عالم الكتابة الذى وصف بالرومانسية وعالم الواقع الذى أكتوى بناره ، لكنه عاش مؤمنا أن الخير هو القاعدة و الشر هو الاسثناء ، كم تصور أن العدالة لابد أن تسود العالم ، وأنه سيأتى يوم يملأ فيه الحب جنبات الكون !
صبغ الدنيا بصفاء نفسه و اتهمه معارضوه بالانفصال عن الواقع ،و أنه يأخذ الناس الى عالم وهمى ..لم يروا ولم يفهموا .. أنه كذلك ..لم يغرر بأحد و لم يبع الوهم للقارىء ، لقد عاش نفسه بلا تزيف ، فسكب روحه على الورق و أودع الحروف نبض قلبه ..
كان يرى أنه يستطيع .. فالإنسان يستطيع أن يحول الألم الى سعادة ، و ان يصنع من القبح جمالا .
عاش محمد عبد الحليم عبد الله، يعول نفسه وأسرته و يخدم أهل قريته ، بحس فنان و قلب إنسان و عقل معلم .
رحل أبى عن الدنيا قبل أن أتم سنواتى الثمانى ، و عشت و إخوتى بين كتبه وقيمه التى لقنها لأمى و حفظتها عنه و علمتنا إياها ، والتى اعتبرها تلميذته المجتهدة .
يقول البعض إن أبناء المشاهير يصورون ابائهم كأنبياء بلا نقيصة ، و لكنى أقول : إن نقيصة أبى أنه نسى أن يحب نفسه ، أو يتصارع على دنيا ، أنه كان يعيش كما يكتب بلا ازدواجية .
كان واحدا من عمالقة الأدب العربى فى القرن العشرين ، و كان يرى أن القمة تتسع للكثير و عندما هاجموه ، لم يبال و أكمل كما بدأ .روائى و صاحب رسالة ولا يكتب إلا ما يؤمن به، ولم يساير موضة الستينيات فى الكتابة ليرضى أحدا بل ظل متفردا و إن تلقى الطعنات .
محمد عبدالحليم عبدالله ذهب للقاهرة صبيا فى الثانية عشرة من عمره ليعيش عند أحد اعمامه ، وليكمل تعليمه و يعود "افندى" ب "بطربوش" يحمل الشهادة الكبيرة ، وأن يحقق حلم أمه ، الفلاحة ، و التى كان بحبها ويقدرها ورفض أن يتزوج وهى على قيد الحياة حتى لا تشعر أن امراة أخرى تشاركها فيه ، و لطالما تعجبت من تصريحاته بأنه ورث عن أمه حسها الفنى وليس عن والده ، فالفلاح عادة يفخر بانه يشبه اباه وليس أمه لكنه كان دائما فخورا بتفردها معترفا بفضلها .
لقد كانت هذه الفلاحة هى الدرس الأول فى احترامة للمراة ولم تكن تدرى انها تصنع جزءا من تاريخ مصر ووجدان أمه و كاتبا من أشدالمناصرين للمرأة و المعبرين عن مشاعرها و قضاياها.
لقد اعتز أبى ببناته كاعتزازه بابنه ، ولكنه أدرك مبكرا عن أقرانه أن المراة كالشجرة كلما اعتنيت بها أعطتك ثمرا و ظلا وانها عقل و روح ، ليست ميراثا أو متاع .
علمنى أبى ..الفخر
أن اكون فخورة بوطنى، و جنسى ، بعقلى ، و إنسانيتى قبل كل شيء .
و لكن على أولا أن أصنع مايستحق الفخر، وللفخر باب واحد" العلم و التقوى " ، فمن يبنى نفسه على أساس لا يستطيع أن يهدمه أحد.
أراك يا أبى عطرا نثره الله على الدنيا من عليائه ، وضع فى قلبك الرحمة و على لسانك الحكمة و فى يمينك الخير كتابة وعملا .
لست نبيا .. ولست كاملا .. و لست معصوما .
فالكمال لله و العصمة للأنبياء
و لكنك أبى ..و انى أحبك ولكن يكفى أن أحبك لأرى كل ما فيك جميلا .
فعين المحب عن كل عيب كليلة .
رحم الله ابى معلما و رمزا و نهرا يفيض بالخير و العطاء
رحم الله محمد عبد الحليم عبد الله الأديب و الإنسان الذى ألغى من قاموس حياته معنى الخذلان .
حضور طاغ و غياب سريع ..مهيب اشبه بالحضور .
انه أبى طيب الله ثراه و ذكراه .
حنان عبد الحليم عبد الله