شعرت بالغباء وهى تستند بظهرها على الكرسى ثم تتراجع ,, لتأخد وضعية اليوجا , حتى لا ( تكرمش ) الجاكيت الذى وضعه على ظهر الكرسى .. هو نفس المقعد الذى أمرها بالانتقال اليه وأن تترك طالولة الاجتماعات لانها فى اتجاه القبلة , وقد حان وقت الصلاة .
غباء يسلم غباء ,, الى متى ستظلين طفلة بلهاء , تخشين على الجاكيت من التكسير , ولم يخش هو على قلبك , او مشاعرك , او عمرك .. كل هذا مستباح له كأنك ميراث بشرى ورثه عن جده فى زمن الاقطاع . النبلاء يرثون الارض ومن عليها .
جالت الفكرة برأسها , بينما عيناها تفتش حولها عن أشيائه , بينما تتحرق شوقا للمس الجاكيت بظهرها ,, او تنقلها على المقعد المقابل لتحتضنها , وجدت الميدالية التى اهدته ايها على المكتب , عدلت وضعيتها .. لم تكن فى حاجة للتعديل . لكنه نفس الغباء
احست بالدموع تحرق عينيها لكنها قاومت انسيابها للخارج , لحظتها تذكرت انها عندما اكتشفت الوقوع فى حبه قبل سنوات عديدة, عندما أحست برغبة جارفة فى لمس أوراقة وقلمة ومناديله المستعملة .. وكيف كان هذا الاحساس بالنسبة لها طامة كبرى , شخص صعب , وليس ملكها ,
سنوات عديدة مرت .. ووضعا لم يتغير رجل صعب متملك , عنيد , يحبها وقتما شاء , كيفما شاء .., ويهملها ويختفى وقتما يشاء وفى النهاية هو ليس لها .
افاقت على صوته فى الصلاة غير الجهرية .وفقط الله اكبر .. ثم الله اكبر .. ومشاعرها تحتضن المكان الذى يشغله قبل عينيها سجادة الصلاة هى الأخرى اهدتها له عندما وجدت السجادة التى يستعملها باهتة وغير نظيفة .. كان ذلك فى مكتبه القديم فبل ان يترقى ويشغل ذلك المكتب .. صلى عليها وترك السجاجيد العديدة للموظين الذين يؤمهم .
هل تفرح أم تبكى ؟ اشياها حوله , لا يفعل اى شئ ليجعلها هى نفسها حوله .. فقط كونى موجودة عندما آمرك .. أو عندما تضطرك الحاجة الى اللجوء الى .
لا .. لن افعل .. وليجن جنونه , او ليلقى تظرات البؤس و الالم التى تمزقها .. لا يهم على كل الاحوال التمزيق من نصبيها
لم ترتكن الى الجاكيت , ولم تظهر نظرة فهم عندما بسط السجادة للصلاة , ولم تتطق بكلمة واحدة تشير الى ان هناك شيئا خاصا بينهما , و لكنها تمنت ان يصرف الجميع ويحتضتها .. لمرة واحدة وليأخذها الموت بعد ذلك .. لتكن الاولى والاخيرة فى عمرها .. ماذا يهم ؟؟
كم تفتقده .. رددت بغباء . تتفرس فى قسمات وجهه ببرود وتلقى نظرة عودت نفسها ان تكون محايدة , لكن قلبها ليس محايدا انه يخفق ويهفو للمسه والتربيت عليه .. انها تعلم كم هو فى حاجة ليدها تربت , وكأنها خلقت للتربيت.
ملت الجلوس , وتعبت من الشوق , نظراتهما الى بعضهما البعض نكأت كل جراح الماضى . ياللهى البعد رحمة .
قاومت الدموع الحارقة من جديد ,كما قاومت الافكار الشريرة , وذكرت نفسها انها خارج حياته .. انه هو من أصدر الحكم , هو الذى هرب وتخلى و عندما تدخل احدى الصديقات لحسم القصة .. بسؤال بديهى : هل ستتزوجها أم تتركها لغيرك ؟؟ أجاب : ظروفى لا تسمح الآن على الاطلاق .. ولم يفصح عن الظروف , ولم يحدد جدولا زمنيا . إذن مبروك على غيرك .. انس وجودها ليوم القيامة
ليس من العدل ان تعيش زوجا وابا و مديرا , وتعيش هى شجرة تستند عليها وتحتمى بظلها , طال وقوفها وجف لحائها .. اتركها لغيرك , لا يستظل احد بما لا يملك ,لا يمكن ان تملكها بالكلام , ولا ان تأسر مشاعرها فتظل عقودارهينة مشاعر راسخة ومواقف متأرجحة . انه الجنون بعينه . أطلق سراحها . خذها الآن ..أواتركها الى الابد ..
هكذا حكمت الصديقة , حكمت بما كانت تود ان تحكم بعكسه ..اذا كان قال عكس ما قيل .
هذا الرجل مفاجأة .. لم تتمالك الصديقة نفسها من الدهشة رغم خبرتها فى الحياة .. ترى الشوق والبعد ,تر ى الألم والقسوة . لطالما تصورت الصديقة انها تبالغ فى تقدير مشاعره نحوها .. لكنها فى النهاية هى من عرضت التدخل , فلم يخطر ببالها ان هذا الجنون موجود على الارض ..
تململت فى جلستها حتى لا تتيبس اطرافها ,,انه تعرف انه واثق ان ما ساقها اليه أمر جلل ..لابد انه يخص عزيزا او فقيرا ولكنه حتما لن يخصها.. اذا اشرفت على الموت لن اطلب منك الانقاذ ؟؟ اذا سقطت فى الارض لا تحملنى .. كانت هذة كلماتها له بعد مرض الم بها عقب احدى المواجاهات التى انتهت "بلا شئ " كأنها تحدث نفسها أو تحاور صنما ..فى كل مرة كانت تحزن والحزن يفضى لمرض , لم تكتسب مناعة ضد ذلك قط , مع العلم انها تعتقدانها قوية،كم من أهوال تجاوزتها فى حياتها بقدرة الله العلى العظيم ، لكنه يبقى استثاءا . دائما هو للاستثاء . وكأن الله خصصه لتذكيرها بقدرته عليها ليلا ونهارا . مع انها لم تنكر قدرته .. سبحان الله
السلام عليكم .. انهى الصلاة ... تقبل الله هكذا رددت .
نهضت لتغادر المكتب وتجلس فى صالو ن بعيد , الى ان تسنح فرصة الحديث اليه .. امرها بنفس التسلط .. ابق مكانك "كما كنت"
لتظل تشغل نفس المقعد الاول حول طاولة الاجتماعات , حتى تبقى فى اتجاه عينيه وهو يتحدث مع الموظفين .
فهمت وتساءلت من جديد : و هل خلقت للفرجة ؟؟؟
الولد يتعرض لتعسف فى وكالة الانباء التى يعمل بها .. شاب فى مقتبل حياته الوظيفية وهو ابن اعز صديقتها , قد يفقد عمله والحصول على عمل جديد الآن ليس بالهين , هى تعلم ان رئيسه صديق شخصى له , انها تنشد العدالة فقط تحقيق نزيه حول المشكلة، يكشف التآمر ضد الشاب . كم هى صعب أن تحيا فى هذه الحياة بلا سند , وكم هو أصعب ان يكون هذا الرجل "نقطة ضعفها و سبب بؤسها" ، هو نفسه.. المفتاح الوحيد لباب مغلق ,, ويحبس خلفه عزيزا لديها .
طال الانتظار وتعددت الطلبات والمقابلات , وذهب بشر وجاء بشر و وقعت اوراق .. وهى مسمرة فى المقعد فى مرمى بصره ..
وانتهزت الفرصة .. لا يوجد سواها والسكرتارية الخاصة به , فتحت الموضوع .. يوسف يتعرض للقهر فى الوكالة , وانت تعرف المدير .. اريد تحقيقا عادلا فقط .
لا يمكن للأحد ان يختصر الكلمات لأقل من هذا . وكأنه اختبار قدرات فى التعبير .. لكنها فوجئت بنظرة زاجرة واشارة بيديه لأاغلاق الموضوع ..
اتكتبى ما تريدين فى ورقة..
لم تصدق اذنيها .. ورقة.. ح اقدم لك طلب ؟؟ لا ما اعرفش اكتب ورق .
اجابت ببرود واعياء ,, هى لا تريد ان ترفع صوتها , وآخر ما تريده هو اثاره عناده , واعتصامه بالصمت .. لطالما واجه صراخها بالصمت .. وتظل تصرخ بلا رد من جهته حتى لو بقيت يوما كاملا فى صراخ .. لن يجيب ,,والنهاية لا يبقى سوى حلين : ان تغادر المكان أو تسقط على الأرض من شدة الصراخ . و لطالما اختارت ان تغادر , فهى تكره المرأة التى تظهر للرجل كم قهرها و اعياها وتعتبر ذلك استجداءا للمشاعر واستدرارا للعطف .
ربما يخاف من شبهة استغلال النفوذ فى وظيفتة ..ولكن لا أحد يطالب بتحقيق ابدا .. غير البلهاء امثالها هى وصديقتها ممن ينشدون العدالة المطلقة ..
مرة اخرى وجدته يكشر عن انيابه , لم تره ابدا فى هذا المظهر كأنه رجل عصابات , لم يظهر سلطته عليها قط .. كانت تسمع انه يفعل مع الاخرين لكن اقصى ما كان يفعله امامها هو الصمت .. الرهيييييب . لم تكن تتخيل انها تحسد على ذلك , لكنها فى الواقع كانت كذلك ..
كان الجميع يراها مرهوبة الجانب لديه باستثائها هى , كانت لديه وجوه عنيفة و عبارات سخيفة جارحة لم تتعرض لها قط . لكنها كانت تعلم ان القدر منحها نوعا اقسى من تلك السخافات .
لكل شئ مرة أولى .. هذة هى المرة الأولى التى تتعرض فيها لهذا الوجه ولكن لابد من حل , الموضوع بالنسبة لها حياة أو موت لا يمكن ان يترك عائما .. لابد ان ترسو معه على بر فى هذه اللحظة .
تنفست بعمق وشعرت بالانزعاج كما لم تشعر قط , لكنها قرررت الاتكون نفسها هذه المرة , عليها ان تكون انسانا يصل معه الى حل لا صراخ , لا ركض , لا تأنيب يثير عناده .لا بد من انقاذ وظيفة الولد بأى ثمن ..
تداركت الحدة التى بدأت تظهر فى نبرتها , وقالت ببراءة : اريد حلا . نظرت فى وجهه لم تجد اى اشارة لأى حل م اى نوع كأنه نحت من صخر , كاد طبعها النارى يطفو على السطح مرة أخرى .. لكنه الولد ...
وتذكرت انها كانت ترسل له ادعية ومعايدات على الواتس آب .. كان ذلك يسعده , واشار مرات عديدة لأنه ينتظرة لذلك امنتعت عن ارساله ... التجاهل اقل واجب .
عندك واتس آب ؟؟ سألته وكانها لا تعرف الجواب .
نعم ..
وفى لحظةالتقطت التليفون كأنه قارب نجاة على سفينة غارقة , ومررت الرسالة التى تحتوى تفاصيل الموضوع وكانت ارسلتها صديقتها لها .
سمعت صوت صفير يدل على وصول الرسالة ..طلبت منه ان يقراها وهى تشعر بقهر و انهاك و استجاب ولكنه لم يعد بحلول ..
اما هى فلا تتخيل ان تدخل هذا المكان ثانية , او تسأل عما فعل , او تذكر بما طلبت ..
استدارت لتغادر , لكنه فاجأها ببتسامة رضيع فى صباح مشمس ,, قائلا : ما أخبار جولاتك الخيريية ..
اجابت : اى جولات ؟؟
التى نشرتها مؤخرا على فيس بوك .
ذهلت من جلده ورغبته فى تغير اى موضوع لا يريد الاسترسال فيه , وذهلت من رغبتة فى ابقائها امامه من جديد فى ذات المقعد وبذات الطريقة وكأن السنوات لم تمر وكأن الموضوعات لم تفتح , لم تغلق . وتذكرت ان نكبتها اقوى من نكبة فلسطين .
قالت: اشعر بالدوار وليس لديك سيارة اسعاف لنقلى مستشفى .فى انتظار الرد .
وغادرت بلا سلام ..