السكون والوحشة ,سمتان مميزتان للمكان المخيف الذى ساقتى الاقدار لعمل لقاءات تليفزيونية فيه ,, انه مستشفى الصحة النفسية بالعباسية .. أو ما يعرف عند العامة بمستشفى المجناين
قالوا المجانين فى نعيم ولكنى لم أر اى نعيم فى ذلك المكان شديد الاتساع , والذى تقارب مساحته قرية صغيرة , لم يمنحة اتساعه راحة و لم تؤنس اشجاره سكانه , بل اصطفت كأشباح مرعبة تحرس قصرا مرصودا تعزله عن العالم اسوارغليظة , هى فى الواقع اكثر صرامة من أى حدود دولية , لاتوجد لافتة "ممنوع الدخول" لكن كل إنسان خارج هذه الأسوار وضعها لنفسه .
مكان مفبض .. أول تعليق لى مع معدة الربامج ونحن نتجه نحو مكتب مدير المستشفى ,, وصادفنا اشخاص يتجولون تصورنا انهم عمال , لم يخطر على بالى انهم قد يكونوا مرضى ,, فالمرضى حتما محبوسين فى العنابر أو تحت رقابة صارمة , ولكن الواقع لم يكن كذلك .
وصلنا مكتب المدير , وجدنا رجلا ودوودا هادئا يعى انه يدير اكثرا الاماكن رعبا للبشرية , والأسوأ سمعة على مستوى العالم ,. لم يتفاجأ ولم يغضب عندما صارحته بأن هذا المكان لا يحظى بسمعة جيدة , وأنه قبر مفتوح .. يفضى الى قبر مغلق .
رد بهدوء ان اساليب العلاج تغيرت كثيرا ولكن المرض العقلى لا شفاء منه , ولكن المريض مع تعاطى العقاقير فى موعدها تستقر حالته ويمكن ان يعود لأسرته ولكن الاسر فى معظم الاحوال لا تتقبل المريض العقلى بينها مرة أخرى , من هنا جاءت سمعة المكان انه قبر .. يوصل الى قبر , واضاف مبتسما : ان اسلوب العلاج بالعمل , جعل المرضى يعيشون حياة طبيعية , فهم يتعلمون الحرف المختلفة مثل السجاد والتطريز , والمستشفى تقيم معرضا سنويا لتسويق منتجاتهم , ايضا هناك كورال من المرضى يعزف على الآلات الموسيقية و يغنى . ودعانا للتوجه للمشغل ومعاينة الأمر على الطبيعة
و توجهت انا والمعدة فى اتجاه المشغل بمفردنا , واستوقفنى رجلان للسلام وأبداء الاعجاب, كان أحدهما يعرفنى بالاسم , واثنى على أدائى فى نشرة التاسعة .. ابتسمت وشكرته وتصورت انه أحد العمال المنتشرين لتجديد المكان , لم يكن هناك ما يوحى انه مريض .. كلامه مهذب لا يحمل أى سمة من سمات الجنون , دعانى أستاذة , و قال حضرتك .. كان فى منتهى العقل الى أن قررأن يعرفنى بنفسه ,, فقدم نفسه باسم نصفه عربى لداعية إسلامى شهير, والنصف الآخر أجنبى لممثل أفلام "أكشن"أمريكى شهير .. وعرض على خدماتة إن أردت شيئا .
أعلم أن هذا المشهد "ملهم " للغاية لمؤلف كوميدى , ولكن للأسف وقع الأمر على كان عكس ذلك تماما , كان خاليا من التسلية كان قمة المآساة وشعرت بالبؤس كما لم أشعربه فى حياتى .
لم اتخيل ان المريض العقلى يتمتع بدرجة من الوعى تسمح له بالتعرف على الحياة خارج الاسوار اللعينة , بل و يحتفظ بها فى ذاكرتة بدليل انه عرفنى وتذكر اسمى والنشرة التى اقرأها , ثم اختلط كل ذلك بهلوسة عندما عرف نفسه .. اذن فالجنون لحظة . ويعلم الله وحده الى أى مدى اقراب احدنا منه .
, وانضم الينا مدير المستشفى فى طريقنا للمشغل , واستوقفته فتاة لتصافحة , وعرفنا بها على اانها من فريق الكورال . كانت تضع على وجهها مكياج ثقيل , لكنها ايضا لا تبدو مجنونة , وعندما ابتسمت كان هناك عدد كبير من اسنانها مفقودا , وتطوع المدير بالتفسير دون أن أسأل بان الأدوية تؤدى لسقوط الأسنان ..
إذن كل شئ فى هذا المكان تأكل قاطنيه .. حتى العلاج
رغم قسوة الأحداث لم أكن أدرى أن الفصل الأصعب فى دراما هذا اليوم قادم ..فكل ما حدث كان هينا
ووصلنا للكاميرا التى نصبت فى حديقة فى مكان متوسط بين عنبرنسائى والمشغل , وشاهدت الننزيلات عن قرب وقد خرجن للجلوس تحت أشعة الشمس , وادركت كم ان الانسانية منسية , وان الكلاب الضالة تتمتع بحظ اوفر فى الحياة بالنسبة لهؤلاء ,وجدت وجوه شاحبة لا تحمل اى اثر للحياة ,فقط يكسوها الغبار ,عيون ذاهلة , وجدت النزيلات يرتدون ملابس صيفية رثة فى عز الشتاء .. صمت مخيف يخيم على المكان باستثاء صوت اذاعة الاغانى المنبعث عبر مكبرات الصوت ,, كانت الأغانى هى صوت الوحيد الذى يدل على ان المكان يسكنه احياء, وان كان الصوت يخرج من حديد .
وبدأت افقد قدرتى على الاحتمال , واصبح همى ان انجزعملى لأغادرالمكان , ولكنى كنت على موعد مع الفصل الأشد قسوة . فأثناء الحوار مع مدير المستشفى اندفعت نحوى شابة فى العشرينيات من العمر , جميلة , ريفية , ترتدى جلبابا ملونا صيفيا به قطع من عند الكتف ولكنه لا يظهر جسدها , قطعت التسجيل و قالت لى : انتى اللى دخلتينى هنا , خرجينى من هنا مش عايزة استنى فى المكان ده .
لم اشعر بالخوف , و كأننى اصاببنتى عدوى الذهول.. وفى لحظة لحقت ثلاث ممرضات بها يحاولن جذبها برفق بعيدا عن الكاميرا
وأجبت: انا ما جبتكيش هنا ولكن ممكن تخرجى إذا أخدتى الدوا
تدخل المدير فى الحوار وسأل : انتى هنا من أمتى ..
أجابت : 8 سنين
قال : لا 8 أيام و لازم تاخدى الدوا
واضح انها كانت مصممة على توجيه الكلام لى , ربما لانها أدركت بفطرتها أنى وجه جديد على المكان التعيس , أو أنى لم ان انل نصيبى من التعاسة فى هذا المكان بعد ..
اجابت : الدوا بيخلى عنيا مقلوبين لفوق ..
أخذت تنظر لأعلى وتلمس عينيها بأصابعها كطفلة , لحظتها أدركت , كم كانت مشاعرى هشة , لم تحتمل مراقبة الفتاة,, و تخيلت ما قد يحل على هذه الشابة بعد أن نغادرمن أهوال الاستغلال الذى نسمع أن المريضات يتعرضن له , وكيف تعيش من هى فى مثل عمرها بعيدا عن الابتلاء بالمرض , و بعيدا عن تلك القلعة المشؤمة ,الفتاة فى مثل عمرها تستعد للزواج ,وليس للدفن على قيد الحياة ,ولكن لا راد لقضاءه
و اخذت اربت على كتف الفتاة كسبيل وحيد للمواساة,رغم انعدام جدواه
دخلنا الى المشغل .. المنتجات شديدة الدقة والجمال تتناقض بشكل كامل واقع المكان , وجدت النزيلات يعملن فى الكورشيه والتطريز بإستماتة وكأن ذلك كل ا يربطهن بالحياة ..
كانت القاعة تضم أكثر من عشر مريضات , لم اسمع لإحداهن صوتا , ولم تنظر لنا .. فقط الاخصائية الإجتماعية تتكلم عن المنتجات ونوع التدريب .. الى ان لفت نظرى شئ غريب على مائدة العرض , يبدو كتابلو , أو سجادة باللوان زاهية ورسومات غير منتظمة , عندما لمسته وجدته شوال بلاستك مشغول بالصوف ,, ابتسمت الاخصائية قالت:إن إحدى النزيلات شغلته بالصوف المتبقى من السجاد على مدى خمس سنوات, وأشارت اليها ووجدتها تتوارى خجلا من ثنائى على ابداعها ودقة عملها .
واخذت استعرض باقى المنتجات من سجاد ومفارش , عمل رائع والوان مبهجة تجرج من ذلك السرداب المظلم .. شئ لا يصدقه عقل . طلبت من المصور ان يأخد لقطات للشوال لإعجابى به .. واخذت ابحث عنه .. لم اجده ,, ووجدت الاخصائية .. تبتسم وتقول: انها تخفيه فى الدولاب وتخاف عليه , وطلبت منها احضار الشوال ..
صورناه ,, واحتضنته واخفته مرة أخرى .
كانت هذه اللقطات هى الأخيرة فى ذلك اللقاء المرعب ..من يدخل الى هذا المكان لن يخرج نفس الشخص الذى دخل سواء كان عاقلا أو مجنونا , زائرا او مريض , سواء بقى ساعات أ م سنوات , انه كالحواديت المرعبة , أرض مسحورة تدخلها شاب , ما هى الا ساعات مرهونة بمغيب الشمس حتى تتحول الى عجوز..
كوابيس المجتمع كله اجتمعت فى هذا المكان التعس وهذة الرقعة الفسيحة الموحشة , مخاوف البشرية من عدم الاتزان , الهلوسة , الفقر , الإهمال , الوحدة , كل ذلك تركز هنا حيث الجنون , ولكن المجتمع يحمى نفسه من هؤلاء فهم خطر وهذه الاسوار تعزلهم عنه ,و لكن اليس لهؤلاء حق عندنا ؟؟ الم يثبت اللقاء ان الجنون لحظة , وان المجنون يميز الشخص الجديد فى مجيطه , ويميز من بشاهدهم فى التليفزيون , ما يحبه من أشياء والبشر , وقادر على الابداع و يتشيث بأشيائه .. كل هذا يعنى انه انسان اصابه خلل وإن كان جسيما , ويستحق معاملة آدمية من الناحية العاطفية والصحية على حد سواء .. ولكننا جميعا لم نتذكر سوى حقنا فى عزلهم وخشينا ان نتذكر انسانيتهم .. فهجرت وظلمت .
داخل مستشفى المجانين ستلتقى وجا لوجه مع ضميرك وضمير مجتمع , وتستكتشف انك بلا ضمير , وستدير لظهرك للحقيقة وتخرج مهرولا داعيا الله ان تنسى ما رأيت .. لا أن يغفر لك أنك مشارك فى هذه الجريمة التى تدور فى ذلك المكان المنعزل , وان الجنون اقرب لك مما تتصور, وان ما يفصلك عنه هو لحظة الم يعجز عقلك عن احتماله.
قالوا المجانين فى نعيم ولكنى لم أر اى نعيم فى ذلك المكان شديد الاتساع , والذى تقارب مساحته قرية صغيرة , لم يمنحة اتساعه راحة و لم تؤنس اشجاره سكانه , بل اصطفت كأشباح مرعبة تحرس قصرا مرصودا تعزله عن العالم اسوارغليظة , هى فى الواقع اكثر صرامة من أى حدود دولية , لاتوجد لافتة "ممنوع الدخول" لكن كل إنسان خارج هذه الأسوار وضعها لنفسه .
مكان مفبض .. أول تعليق لى مع معدة الربامج ونحن نتجه نحو مكتب مدير المستشفى ,, وصادفنا اشخاص يتجولون تصورنا انهم عمال , لم يخطر على بالى انهم قد يكونوا مرضى ,, فالمرضى حتما محبوسين فى العنابر أو تحت رقابة صارمة , ولكن الواقع لم يكن كذلك .
وصلنا مكتب المدير , وجدنا رجلا ودوودا هادئا يعى انه يدير اكثرا الاماكن رعبا للبشرية , والأسوأ سمعة على مستوى العالم ,. لم يتفاجأ ولم يغضب عندما صارحته بأن هذا المكان لا يحظى بسمعة جيدة , وأنه قبر مفتوح .. يفضى الى قبر مغلق .
رد بهدوء ان اساليب العلاج تغيرت كثيرا ولكن المرض العقلى لا شفاء منه , ولكن المريض مع تعاطى العقاقير فى موعدها تستقر حالته ويمكن ان يعود لأسرته ولكن الاسر فى معظم الاحوال لا تتقبل المريض العقلى بينها مرة أخرى , من هنا جاءت سمعة المكان انه قبر .. يوصل الى قبر , واضاف مبتسما : ان اسلوب العلاج بالعمل , جعل المرضى يعيشون حياة طبيعية , فهم يتعلمون الحرف المختلفة مثل السجاد والتطريز , والمستشفى تقيم معرضا سنويا لتسويق منتجاتهم , ايضا هناك كورال من المرضى يعزف على الآلات الموسيقية و يغنى . ودعانا للتوجه للمشغل ومعاينة الأمر على الطبيعة
و توجهت انا والمعدة فى اتجاه المشغل بمفردنا , واستوقفنى رجلان للسلام وأبداء الاعجاب, كان أحدهما يعرفنى بالاسم , واثنى على أدائى فى نشرة التاسعة .. ابتسمت وشكرته وتصورت انه أحد العمال المنتشرين لتجديد المكان , لم يكن هناك ما يوحى انه مريض .. كلامه مهذب لا يحمل أى سمة من سمات الجنون , دعانى أستاذة , و قال حضرتك .. كان فى منتهى العقل الى أن قررأن يعرفنى بنفسه ,, فقدم نفسه باسم نصفه عربى لداعية إسلامى شهير, والنصف الآخر أجنبى لممثل أفلام "أكشن"أمريكى شهير .. وعرض على خدماتة إن أردت شيئا .
أعلم أن هذا المشهد "ملهم " للغاية لمؤلف كوميدى , ولكن للأسف وقع الأمر على كان عكس ذلك تماما , كان خاليا من التسلية كان قمة المآساة وشعرت بالبؤس كما لم أشعربه فى حياتى .
لم اتخيل ان المريض العقلى يتمتع بدرجة من الوعى تسمح له بالتعرف على الحياة خارج الاسوار اللعينة , بل و يحتفظ بها فى ذاكرتة بدليل انه عرفنى وتذكر اسمى والنشرة التى اقرأها , ثم اختلط كل ذلك بهلوسة عندما عرف نفسه .. اذن فالجنون لحظة . ويعلم الله وحده الى أى مدى اقراب احدنا منه .
, وانضم الينا مدير المستشفى فى طريقنا للمشغل , واستوقفته فتاة لتصافحة , وعرفنا بها على اانها من فريق الكورال . كانت تضع على وجهها مكياج ثقيل , لكنها ايضا لا تبدو مجنونة , وعندما ابتسمت كان هناك عدد كبير من اسنانها مفقودا , وتطوع المدير بالتفسير دون أن أسأل بان الأدوية تؤدى لسقوط الأسنان ..
إذن كل شئ فى هذا المكان تأكل قاطنيه .. حتى العلاج
رغم قسوة الأحداث لم أكن أدرى أن الفصل الأصعب فى دراما هذا اليوم قادم ..فكل ما حدث كان هينا
ووصلنا للكاميرا التى نصبت فى حديقة فى مكان متوسط بين عنبرنسائى والمشغل , وشاهدت الننزيلات عن قرب وقد خرجن للجلوس تحت أشعة الشمس , وادركت كم ان الانسانية منسية , وان الكلاب الضالة تتمتع بحظ اوفر فى الحياة بالنسبة لهؤلاء ,وجدت وجوه شاحبة لا تحمل اى اثر للحياة ,فقط يكسوها الغبار ,عيون ذاهلة , وجدت النزيلات يرتدون ملابس صيفية رثة فى عز الشتاء .. صمت مخيف يخيم على المكان باستثاء صوت اذاعة الاغانى المنبعث عبر مكبرات الصوت ,, كانت الأغانى هى صوت الوحيد الذى يدل على ان المكان يسكنه احياء, وان كان الصوت يخرج من حديد .
وبدأت افقد قدرتى على الاحتمال , واصبح همى ان انجزعملى لأغادرالمكان , ولكنى كنت على موعد مع الفصل الأشد قسوة . فأثناء الحوار مع مدير المستشفى اندفعت نحوى شابة فى العشرينيات من العمر , جميلة , ريفية , ترتدى جلبابا ملونا صيفيا به قطع من عند الكتف ولكنه لا يظهر جسدها , قطعت التسجيل و قالت لى : انتى اللى دخلتينى هنا , خرجينى من هنا مش عايزة استنى فى المكان ده .
لم اشعر بالخوف , و كأننى اصاببنتى عدوى الذهول.. وفى لحظة لحقت ثلاث ممرضات بها يحاولن جذبها برفق بعيدا عن الكاميرا
وأجبت: انا ما جبتكيش هنا ولكن ممكن تخرجى إذا أخدتى الدوا
تدخل المدير فى الحوار وسأل : انتى هنا من أمتى ..
أجابت : 8 سنين
قال : لا 8 أيام و لازم تاخدى الدوا
واضح انها كانت مصممة على توجيه الكلام لى , ربما لانها أدركت بفطرتها أنى وجه جديد على المكان التعيس , أو أنى لم ان انل نصيبى من التعاسة فى هذا المكان بعد ..
اجابت : الدوا بيخلى عنيا مقلوبين لفوق ..
أخذت تنظر لأعلى وتلمس عينيها بأصابعها كطفلة , لحظتها أدركت , كم كانت مشاعرى هشة , لم تحتمل مراقبة الفتاة,, و تخيلت ما قد يحل على هذه الشابة بعد أن نغادرمن أهوال الاستغلال الذى نسمع أن المريضات يتعرضن له , وكيف تعيش من هى فى مثل عمرها بعيدا عن الابتلاء بالمرض , و بعيدا عن تلك القلعة المشؤمة ,الفتاة فى مثل عمرها تستعد للزواج ,وليس للدفن على قيد الحياة ,ولكن لا راد لقضاءه
و اخذت اربت على كتف الفتاة كسبيل وحيد للمواساة,رغم انعدام جدواه
دخلنا الى المشغل .. المنتجات شديدة الدقة والجمال تتناقض بشكل كامل واقع المكان , وجدت النزيلات يعملن فى الكورشيه والتطريز بإستماتة وكأن ذلك كل ا يربطهن بالحياة ..
كانت القاعة تضم أكثر من عشر مريضات , لم اسمع لإحداهن صوتا , ولم تنظر لنا .. فقط الاخصائية الإجتماعية تتكلم عن المنتجات ونوع التدريب .. الى ان لفت نظرى شئ غريب على مائدة العرض , يبدو كتابلو , أو سجادة باللوان زاهية ورسومات غير منتظمة , عندما لمسته وجدته شوال بلاستك مشغول بالصوف ,, ابتسمت الاخصائية قالت:إن إحدى النزيلات شغلته بالصوف المتبقى من السجاد على مدى خمس سنوات, وأشارت اليها ووجدتها تتوارى خجلا من ثنائى على ابداعها ودقة عملها .
واخذت استعرض باقى المنتجات من سجاد ومفارش , عمل رائع والوان مبهجة تجرج من ذلك السرداب المظلم .. شئ لا يصدقه عقل . طلبت من المصور ان يأخد لقطات للشوال لإعجابى به .. واخذت ابحث عنه .. لم اجده ,, ووجدت الاخصائية .. تبتسم وتقول: انها تخفيه فى الدولاب وتخاف عليه , وطلبت منها احضار الشوال ..
صورناه ,, واحتضنته واخفته مرة أخرى .
كانت هذه اللقطات هى الأخيرة فى ذلك اللقاء المرعب ..من يدخل الى هذا المكان لن يخرج نفس الشخص الذى دخل سواء كان عاقلا أو مجنونا , زائرا او مريض , سواء بقى ساعات أ م سنوات , انه كالحواديت المرعبة , أرض مسحورة تدخلها شاب , ما هى الا ساعات مرهونة بمغيب الشمس حتى تتحول الى عجوز..
داخل مستشفى المجانين ستلتقى وجا لوجه مع ضميرك وضمير مجتمع , وتستكتشف انك بلا ضمير , وستدير لظهرك للحقيقة وتخرج مهرولا داعيا الله ان تنسى ما رأيت .. لا أن يغفر لك أنك مشارك فى هذه الجريمة التى تدور فى ذلك المكان المنعزل , وان الجنون اقرب لك مما تتصور, وان ما يفصلك عنه هو لحظة الم يعجز عقلك عن احتماله.