Monday, 16 November 2015

الفرار الى  السجن
اسوار عالية .. بوابات كبيرة موصدة .. برج مراقبة يقبع داخله جندى فى وضعية اطلاق النار .. ورياح تنوح ..
واقع وليس كابوسا للاسف.
صديقى لم اتخيل يوما  ان يحول بيننا ذلك الواقع المرعب .. تأملت المشهد الذى اعتبر  أنا جزء حيوى منه فى انتظار فتح ابواب السجن ,, طوابير من البشر متراصة فى انتظار فتح الابواب ..
السجن .. نعم السجن يا الهى ذلك (الفتى) حبيس تلك الاسوار ,, قابع خلف تلك البوابات , كل تلك الحراسة على ذلك (الفتى )  عاشق الحرية محطم القيود ..  لكن عشقه لها هو من ساقة الى هنا ..سجن مشدد ,وسط هؤلاء القوم بجرائمهم المتفاوتة من قتل لسرقة  , لاتجار فى المخدرات .. انه فى نظرى (فتى  يافع ) رغم ان فارق السن بيننا لا يسمح بذلك , و الا اننى كنت ملاذا آمنا يلجأ اليه وقت الشدة  ,وهو يثق انى سأحاول المساعدة قدر الطاقة, وإن لم استطع ..فهو معى فى أمان , لن أفشى سره  .لذلك بقى فى  نظرى ذلك (فتى )  ابن الناس المتمرد الذى أصبح لآن حبيس هذة  الاسوار
 اهالى المساجين ,, مشهد اشبه بطابور الجمعية فى افلام السبعينات والثمانينيات المصرية  .. كثيرون من هم  فى السجن و عدد اكبر  يزورهم , لا يبدو ان أحدا فى هذا البلد حر طليق؟؟
هذا هو  ليمان طرة ., سجن  بمعنى الحقيقى لا المجازى .بهذا القدر من الازدحام . ووجدت نفسى انظر لنفسى وشقيقى صديقى ..و وجدت سجونا عديدة تسكن صدورنا وعقولنا وارواحنا .
. البرد ونواح الريح ووابخرة الانفاس فى رطوبة الصباح ., رصيف الحى الشعى  والطابور والجندى فى البرج فى وضع الاستعداد ..كنت حديثة العهد بالمشهد , لكن شقيقى صديقى لم يكونا كذلك  , لقد حفظا الاجراءات لكنها مازالت مؤلمة رغم تكرارها و رغم مرور السنوات , فبعض الفصول فى حياتنا تبقى موجعة , رغم التكرار , هذه هى نكبة اصحاب العاطفة ,,فالبؤس  مازال يسكن ارواحهم وتنطق به ملامح وجوههم . ولكن ما باليد حيلة .
برودة الجو غير المعتادة .. زادت قسوة الواقع , بسؤال مرير .. رددناه همسنا  حتى لا نزيد معاناة بعضنا البعض .اذا كنا نشعر بقسوة برودة الجو بهذه الدرجة ونحن نملك رفاهية التدفئة ولا قيود على ملابسنا .. فكيف يعانى السجين  ,المقيد بنمط ملابس  لابد من الالتزام  به؟؟؟ فهو جزء من قوانين السجن ..
آه.. انه السجن مجددا يفرض نفسه على كل ما يحيط بنا حتى أنفاس الصباح .
الوقت يمر تقيلا فى انتظار فتح الباب للزيارة ,, مابال الانتظار للافراج اوانتهاء العقوبة . حاولنا قتل الوقت بالدردشة أو تجميع الاحتياجات  فى اكياس ,محاولة بائسة للاحتيال على المشهد  لعلنا نخطف منها أى بهجة .
وشاهدنا الركب يتحرك  وقررنا للانضام ,,  لم اعد على  الرصيف المقابل اصبحت على باب السجن  ولم اكن ادرك ان الباب قريب لهذة الدرجة من عنبر الاستقبال ..  ووجدت نفسى اقف فى السجن .. كم هو قبيح .. وكأن قبحة جزء من العقوبة , وكأن فقد الحرية ليس بالعقوبة الكافية .
نظر الضابط الشاب فى بطاقتى وقال : غير مسموح لك بالدخول , ققط اقارب الدرجة الاولى ,
يالهى . انه فصل جديد من ذلك الكابوس
لم افزع كما ينبغى , ولكن الاخوين تملكهما الفزع  نيابة عنى .. بالإضافة لمشاعر الحرج و كأنهما مسؤلين عن سن القانون , أوكأنهما استدرجانى  للخوض التجربة والوجود فى ذلك المشهد لمجرد موافقتهما على الزيارة . وبالسؤال عن الحل .. جاء الرد : : موافقة الادارة
ذهب الاخ الأكبر للحصول على الموافقة ..وبقيت انا والأصغر على الباب من الداخل , و الذى حاول أن يتغلب على مشاعر القهر بتجاذب اطراف الحديث و سرد قصص عن حال البلد  ,ونوادر مطبات رحلات الطيران التى يعيشها بشكل دائم بحكم عمله كمضيف  , كل ذلك وأعيننا مثبة على الباب الداخلى الذى دخل منه الأخ الأكبر للحصول على التصريح .
طال الوقت , و تشعبت الأحاديث وتعددت الروايات والقصص.. ومع كل دقيقة  تمر أرى مشاعر الحرج تتمكن من ملامح الشقيق , وتتحول تدريجيا لأحساس  عميق بالذنب , وتأكيدات من طرفه انها المرة الأولى التى يحدث فيها ذلك..
وشعرت بوطأة مشاعر الحرج ,, وهى تزيد الموقف بؤسا ,, باردت بشرح كم أشعر بمسؤليتى عن أخيه ,, كما لو كان طفلا تحت وصايتى..صداقتنا ليست تقليدية ,,فأنااحيانا ملجأ , أو ضمير .. وكثيرا ما كان يروى لى ما يعلم انه سيتلقى عليه تأنيب ,, لكن ذلك لم يمنعه من الحديث معى , حالة اشبه بمن يسأل عن فتوى شرعية .. من الوارد جدا إلا يوافق الرد هوى نفسه , لكنه اعتاد ان يحكى و اعتاد أن يسأل , واعتدت ان اسمعه وأقيم تصرفاتة دون أن اجامله , ودون اكتراث لموجات الغضب الصبيانية التى تجتاح ملامحة , وليكزعلى اسنانه و ليغير مسار الحديث ,, ليعود مرة أخرى ليقص هفوة أخرى .. وهو واثق انه سوف يتلقى التأنيب عليها . انها علاقة فريدة .
كانت دهشته عظيمة , ربما لم يتخيل كل تلك الابعاد الفلسفية لصداقتنا .. وان كان ذلك لم يمح احساسة بالذنب..
 ووجدت من تمام الفلسفة ان استغرق فى معايشتى لتك التجربة الحزينة ,التى جمعت اسقاطات عديدة فى حياتنا فى هذة البقعة البائسة     من الارض .
اسندت ظهرى للحائط فى انتظار جديد .. ادركت لحظتها ان الانتظار , احد انماط السجن , كان حولنا جمع من الزائرين فى اتتظار شئ ما . طال الوقت ورغم الاختلاف الواضح بيننا جمعنا الانتظار.
سرقة عمر  اجيال ,, اهدار كرامة وطن ,.افشاء الجهل ..انحطاط الاخلاق .. اتشار الأمراض ..الفساد السياسى والمالى .. تهم  لم يعاقب مرتكبوها  بعد.. ترى لو طلبت مقالبة احد هؤلاء الفاسدين , هل كنت سأنتظرهكذا على الأبواب ؟؟ هل كانت قرابة الدرجة الأولى ستحول بيننا ؟؟ لا أظن
انهم مسؤولون عن دخول ذلك الفتى .. خلف هذه الأسوار رغم ان جريمته ليست سياسية .. ولكن طمعهم وفسادهم دفع به و بغيره لغيابات السجن .
, نفس نظرية ابن الحرام ... يسبه المجتمع ليل نهار , ولم بفكرلحظة ان يسب الحرام نفسه , أو من اتى الفاحشة وافلت من العقاب واتخذ اطارا اجتماعيا لائقا وترك ابن الحرام للتنكيل و لم يشغل باله بحل المشكلة .... كيف يقضى على الحرام ذاته أو يحد من ارتكابه ؟؟
السجن مكتظ ممن يقتص منهم المجتمع , أو ممن تمكن من تطيق العدالة عليهم , فى حين ينعم من أرسى اسس فساد المجتمع ولا تطبق عليهم قواانين السجن , حال دخولهم فيه ولو على سبيل المناورة .. هذا الشعب كله يستحق السجن  بل الموت , شعب حقير ما بتطمرش فيه المعروف . هذا رأيهم بالقطع  .

وأخيرا .. سمح لى بالدخول ..
ووجت عنبر مكتظ  بالبشر ما بين السجناء وذويهم ووجدت تفاوت فى الطبقات الاجتماعية  و اللامكانيات المالية أذهلنى .. طبقات راقية وبسطاء .. اغنياء وفقراء .
تفرست فى الوجوه  وسط هذا اجمع الفريد بحثا عن صديقى , لم اجده بل وجدنى هو ,, لم اتصور ان ذلك اليوم من الممكن ان يحمل فرحا ,, لكنه فاجأنى من جديد .. فرحت حقا عندما رأيته
فخورا قويا ,, يخطط لما يمكن أن يفعله بعد انقضاء العقوبة , يدرس قى السنة الثانية من كلية الحقوق .. وأخبرنى بذلك ساخرا .. على أن استثمر عشرة المجرمين  ادركت لحظتها ان الجريمة وحدها , ليست كافية لكسر نفس عزيز أوإذلاله , حتى السجن وسلب الحرية لا تكفى فهى تحمل حكمة القصاص لكل من يؤمن بالله ويعترف بخطأه , ويرغب فى التطهر من الذنب , انما الذل .. فلا.. لم يفلح هؤلاء الفسدة الذين  كرسوا واقعا بائسا مزريا , زج بهذا العزيز الى السجن ..لم يفلحوا  فى تحويله لابن حرام كسير النفس .
تفرست فى صديقى بعد سنوات الفراق العديدة ..وجدت الفتى صار رجلا يحمل معانى مختلفة للرجولة غير عاش يعتقد انها الرجولة , وتسببت فى الزج  به الى السجن ..
وجدته حليق الرأس تماما.. ابتسمت داخل نفسى فصديقى لا يستطيع ان يتعامل إلا مع أرقى الحلاقين , فكيف يتعامل مع حلاق السجن .. الموس هو الحل ..
ولمحت فى عين صديقى نظرة قسوة , اشبه بتلك التى اراها فى أعين رجال المخابرات ,, لا أدرى ما سر التشابه رغم اخلاف الظرف , ربما كلاهما ويعيش مع العدو وخطأه يكلفه حياته .
وجدت مفردات المشهد تذكرنى بالأفلام , تحديدا فيلم امريكى لشاب  يعمل فى المطار حالم يعشق زوجته ,لفقت له تهمه زجت به للسجن ..ورصد الفيلم ميلاده من جديد .. ولكن ليس كشاب حالم , بل وحش يفترس من يعتدى عليه , قادر على حماية حدوده و ممتلكاته .. هكذا تترجم صحبه المجرمين .
هكذا اكتشفت ما جد على صديقى من أحوال ..وجدت صديقى .. (القط المنزلى ) المدلل... الداجن ..الهارب دائما من الرقابة ..المتمرد على الطعام المتاح متباهيا بقدرتةعلى اطعام نفسه , وجدته تحول الى قط  برى  ان غفل تم التهامة , بحثت عن ذلك الطروب لم اجده , , وبحثت عن صبيانته وجنونه وجدتهما .. تبخرا

لم تعد آخر قصات الشعر, ولا الملابس المستوردة , ولا أفضل المطاعم ولا حتى  فن الطبخ الذى يجيده .. أو إعجاب البنات أوالسهرات  الحمراء .. هى همه أوشاغله .. لكنها حياة أخرى اشبه (بالبرذخ) موت فى انتظار البعث ..توقف مؤلم للوجود ,, يأتى بعدها البعث وهو وقت يحدده الله .. بعدها أما الجنة . أو النار .
القط المنزلى هرب , وعندما قرر العودة لم يجد المنزل , توغل فى الغابة , فرضت عليه قوانينها ولم يعد لديه رفاهية الأختيار عليه فقط .. أن يبقى على قيد الحياة .

Tuesday, 10 November 2015

lمشاهدات : ضوء اللهب
هل يستطيع أحد أن يوقف الزمن ؟؟؟؟؟
نعم ضوء اللهب...كل ما يحدث على ضوء اللهب كأن لم يحدث , فقط اطفئ النور و افعل ما شئت على ضوء اللهب (لهب المدفأة ) ثم اشعل الضوء مرة أخرى .. وانس ما حدث . فكل ما يحدث فى ( ضوء اللهب ) ,,كأن لم يحدث.
هذا هو خلاصة فلسلفة (صوفى مارسو ) بطلة فيلم ( fier light) فى الحياة حتى تتمكن من تجاوز آلامها .
عندما تستعصى المشاكل على الحل , عندما يعجز الانسان عن تحمل الألم , عليه ان يوجد جسرا بين الواقع والخيال لبيعبر فوفه ويتجاوزمحنته ..لنوقف الزمن ولنفعل شيئا ما خارج الزمن , لا يخضع لأى نوع من القيود كأنه حلم .. لا أحد يحاسب على الحلم , ولكننا أيضا لا نستظيع ان نحل مشاكلنا بالحلم ,أو نحقق رغباتنا بالحلم .. حيلة لجأت اليها البطلة لتتجاوز أزمتها , عندما عجزت الحلول الأخلاقية عن حل مشاكلها .
القبول بانجاب طفل من رجل لا تعرفه بمقابل مادى كبير , حتى توفرنفقات علاج والدها .. بمعنى ادق : تبيع طفلها ... لم تتحمل الموقف فابتكرت الفكرة العبقرية ..
الاحلام, لا تكلف, لا تحل , ولا تترك أثرا .. لكن (ضوء اللهب) يفعل إذا أوقف الزمن .ولكن هل يوقف الزمن حقا ؟؟؟أم اننا احيانا نبيع لأنفسنا الوهم حتى نتمكن من مواصلة الحياة .
انها حقا مبدعة , لكنها دفعت الثمن,,, النعيم الذى عاشته فى ضوء اللهب , و الجحيم الذى خلفه ضوء اللهب ..
كل ما فعلته فى( ضوء اللهب ), ذكرته جدا , وعذبها , وأعاد تشكيل حياتها , فهى أحبت الرجل الذى انجبت منه الطفلة , وانفطر قلبها حزنا على فراق الطفلة , وطاش عقلها تحول الوصول للابتها ووالدها هدف حياتها , مع انها قبضت الثمن .
سرقة اللحظة .. فكرة ستظل تطارد المبدعون و عامة الناس على حد سواء .. ويبقى الزمن هو المعضلة التى يستعصى حلها على البشر .. ولو فى ضوء اللهب .

Friday, 30 October 2015





انقطع الخيط .. ايتها الجميلة
لن ارثى إيناس .. فمن لم يدعمها حية , يوفر على نفسه الرثاء والبكاء والحسرة على شبابها بعد موتها .
ايناس لم تخسر برحيلها .. علينا ان نقر بشجاعة ان اختيار السماء لها من بيننا جميعا فى هذه اللحظة الآن هو أكبر دليل على وجود الله , وان العناية الالهيه لا تتخلى عن المعذبين من البشر .
لكن علينا نحن ان نقف امام ضمائرنا . هل دعمناها ؟؟ بالعكس ,, شكونا من توترها . ابتعد البعض و اضطهدها البعض ,و بقيت محاولات ضعيفة متباعدة ممن سمحت لهم بالاقتراب منها .
لم يكن يجدى مع ايناس دعم شخص منفردا , لكنها كانت فى حاجة لدعم جماعى شأنها شأن أى مريض بمرض عضوى يلتف حوله من أحبوه
لقد حزنت وبكيت .. ولكن ليس على انسحابها من الحياة , ولكن على حظها فى الحياة . لم تكن الدنيا كريمة معها , ضنت عليها بما جادت به على من هم دونها فى كل شئ , االجمال , الثقافة , الخلق , المهارة فى العمل
ماتت وحيدة فى شقتها .. هذا هو ملخص عذاباتها
تكاتفت ابتلاءات القدر وشرور البشر على الشابة الجميلة .. ولم تتحمل فانهارت عصبيا .
انه الخيط .. الذى لا يعلم قوة احتماله الا الله .. فقد الأحبة , وتخلى الاهل والاصدقاء , مرض وعزلة
انقطع الخيط .. خيط الاحتمال .. وخيط الحياة
أعلم ان عدالة السماء لن تتركها بائسة فى رقدتها , أعلم انها بإذن الله تحظى بصحبة رائعة , أعلم ان الجسد سجن , وان الفراشة تحلق الآن بلا قيود فى حدائق الله ..
لكنى بشر .. خلق من طين يرغب فى كل ماهو ملموس .. كنت اتمنى ان أرى ابتسامتها وهى على قيد الحياة , وكنت اتمنى ان تنعم بما تمناه قلبها ..لا أتخيل , ولا أخمن .
وتبقى كلمة : علينا ان نفيق
نحن نهمل أحبتنا , أروحنا وقلوبنا .. الى أن ندعو لبعضا بالرحمة رغم ان المعنى الحقيقى للرحمة هو : السعادة .

Tuesday, 7 July 2015

مشاهدات :       ضوء اللهب


الزمن هو الاعب الأساسى فى حياتنا ,  هو العدو الخفى الذى يعيش معنا ويشاركنا أنفاسنا ولا نستطيع صده , أو الاختباء بعيدا  عنه
ولا تجدى معه أجزة استخباراتية ..لانه جزء منا يمر على حياتنا يغيرها .. تختفى ناس وتظهر ناس , يمر على ملامحنا فتتطور من الطفولة للشباب,  للنضج .. حتى أرذل العمر ..يمر على مشاعرنا يبدلها الحب , الكراهية , السعادة , الحزن
وانى لأعجب ممن يريدون العودة بالزمن , تلك الفكرة التى الهبت خيال المبدعين .. والتى تم انتاجها عشرات المرات , وستنتج مرات عديدة بعد
.
العودة بالزمن , أو السفر عبر الزمن لتغير قدر ,, أو للتعرف على المستقبل .. كل الاعمال التى عالجت هذا الموضوع اتبعت نفس الأسلوب فى المعالجة وهو ان المسافر يعود بالزمن ولكن بخبراته المكتسبة ليس كما كان , ربما لان العودة بلا خبرة لا تفيد فى الأحداث الدرامية لانها ستكون أشبه بحالة فقد الذاكرة ,إذن العودة بلا خبرات و بدون معايشة لأحداث الزمن , بلا قيمة , غير مغرى , غير ملهم .
ولكن ماذا عن توقف الزمن ؟؟ هل يستطيع أحد أن يوقف الزمن ؟؟ اعتقد انه تم تناول هذه الفكرة ولكنها لم تكن باهرة , و من ثم لا أذكر الفيلم أو الرواية , ولكن ايقاف الزمن بشكل مجازى كان له سحره .. فى فيلم Fier Light
كل ما يحدث على ضوء لهب المدفأة , كأنه لم يحدث .  هكذا قالت بطلة الفيلم الفقيرة حتى تحل مشاكلها ,, تتقاضى مبلغا كبيرا من المال مقابل طفل تلده لامرأة أخرى .. علاج والدها , مقابل قطعة من جسدها وروحها .. طفلة
وخرجت البطلة بالقول المأثور : كل ما يحدث على ضوء اللهب كأن لم يحدث , فقط اطفى النور و افعل ما شئت على ضوء اللهب (لهب المدفأة ) ثم اشعل الضوء مرة أخرى .. وانس ما حدث فى ضوء اللهب .
فكرة عبقرية , لكنها صعبة , بل مستحيلة للأنها تقاوم الزمن .. توقفه وتجردده من سلطته كفاعل أساسى فى الأحداث ..
ولكن .. من يقهر الزمن ؟؟ مستحيل .
كل ما فعلته فى ضوء اللهب , ذكرته جدا , وعذبها , وأعاد تشكيل حياتها , فهى أحبت الرجل الذى انجبت منه الطفلة , وانفطر قلبها حزنا على فراق الطفلة , وطاش عقلها    تحول الوصول للابتها ووالدها هدف حياتها , مع انها قبضت الثمن , وعاشت الأحداث على ضوء اللهب .

Wednesday, 13 May 2015

فى نعيم

السكون والوحشة ,سمتان مميزتان للمكان المخيف الذى ساقتى الاقدار لعمل لقاءات تليفزيونية فيه ,, انه مستشفى الصحة النفسية بالعباسية .. أو ما يعرف عند العامة بمستشفى المجناين
قالوا المجانين فى نعيم ولكنى لم أر اى نعيم فى ذلك المكان شديد الاتساع , والذى تقارب مساحته قرية صغيرة , لم يمنحة اتساعه راحة و لم تؤنس اشجاره سكانه , بل اصطفت كأشباح مرعبة تحرس قصرا مرصودا تعزله عن العالم اسوارغليظة , هى فى الواقع اكثر صرامة من أى حدود دولية , لاتوجد لافتة "ممنوع الدخول" لكن كل إنسان خارج هذه الأسوار وضعها لنفسه .
مكان مفبض .. أول تعليق لى مع معدة الربامج ونحن نتجه نحو مكتب مدير المستشفى ,, وصادفنا اشخاص يتجولون تصورنا انهم عمال , لم يخطر على بالى انهم قد يكونوا مرضى ,, فالمرضى حتما محبوسين فى العنابر أو تحت رقابة صارمة , ولكن الواقع لم يكن كذلك .
وصلنا مكتب المدير , وجدنا رجلا ودوودا هادئا يعى انه يدير اكثرا الاماكن رعبا للبشرية , والأسوأ سمعة على مستوى العالم ,. لم يتفاجأ ولم يغضب عندما صارحته بأن هذا المكان لا يحظى بسمعة جيدة , وأنه قبر مفتوح .. يفضى الى قبر مغلق .
رد بهدوء ان اساليب العلاج تغيرت كثيرا ولكن المرض العقلى لا شفاء منه , ولكن المريض مع تعاطى العقاقير فى موعدها تستقر حالته  ويمكن ان يعود لأسرته ولكن الاسر فى معظم الاحوال لا تتقبل المريض  العقلى بينها مرة أخرى , من هنا جاءت سمعة المكان انه قبر .. يوصل الى قبر , واضاف مبتسما : ان اسلوب العلاج بالعمل  , جعل المرضى يعيشون حياة طبيعية  , فهم يتعلمون الحرف المختلفة مثل السجاد والتطريز , والمستشفى تقيم معرضا سنويا لتسويق منتجاتهم , ايضا هناك كورال من المرضى يعزف على الآلات الموسيقية و يغنى . ودعانا للتوجه للمشغل ومعاينة الأمر على الطبيعة
و توجهت انا والمعدة فى اتجاه المشغل بمفردنا , واستوقفنى رجلان للسلام وأبداء الاعجاب, كان أحدهما يعرفنى بالاسم , واثنى على أدائى فى نشرة التاسعة .. ابتسمت وشكرته وتصورت انه أحد العمال المنتشرين لتجديد المكان , لم يكن هناك ما يوحى انه مريض .. كلامه مهذب لا يحمل أى سمة من سمات الجنون , دعانى أستاذة  , و قال حضرتك .. كان فى منتهى العقل الى أن قررأن يعرفنى بنفسه ,, فقدم نفسه  باسم نصفه عربى لداعية إسلامى شهير, والنصف الآخر أجنبى لممثل  أفلام "أكشن"أمريكى شهير .. وعرض على خدماتة إن أردت شيئا .
أعلم أن هذا المشهد "ملهم " للغاية لمؤلف كوميدى , ولكن للأسف وقع الأمر على كان عكس ذلك تماما , كان خاليا من التسلية كان قمة المآساة وشعرت بالبؤس كما لم أشعربه فى حياتى .
لم اتخيل ان المريض العقلى يتمتع بدرجة من الوعى تسمح له بالتعرف على الحياة خارج الاسوار اللعينة , بل و يحتفظ بها فى ذاكرتة بدليل انه عرفنى وتذكر اسمى والنشرة التى اقرأها , ثم اختلط كل ذلك بهلوسة  عندما عرف نفسه .. اذن فالجنون لحظة . ويعلم الله وحده الى أى مدى اقراب احدنا منه .

, وانضم الينا مدير المستشفى فى طريقنا للمشغل , واستوقفته فتاة لتصافحة , وعرفنا بها على اانها من فريق الكورال . كانت تضع على وجهها مكياج ثقيل , لكنها ايضا لا تبدو مجنونة , وعندما ابتسمت كان هناك عدد كبير من اسنانها مفقودا , وتطوع المدير بالتفسير دون أن أسأل بان الأدوية تؤدى لسقوط الأسنان ..
إذن كل شئ فى هذا المكان تأكل قاطنيه .. حتى العلاج
رغم قسوة الأحداث لم أكن أدرى أن الفصل الأصعب فى دراما هذا اليوم قادم ..فكل ما حدث كان هينا
ووصلنا للكاميرا التى نصبت فى حديقة فى مكان متوسط بين عنبرنسائى والمشغل , وشاهدت الننزيلات عن قرب وقد خرجن للجلوس تحت أشعة الشمس , وادركت كم ان الانسانية منسية , وان الكلاب الضالة تتمتع بحظ اوفر  فى الحياة بالنسبة لهؤلاء ,وجدت وجوه شاحبة لا تحمل اى اثر للحياة ,فقط يكسوها الغبار ,عيون ذاهلة  , وجدت النزيلات  يرتدون ملابس صيفية رثة فى عز الشتاء .. صمت مخيف يخيم على المكان باستثاء صوت اذاعة الاغانى المنبعث عبر مكبرات الصوت ,, كانت الأغانى هى صوت الوحيد الذى يدل على ان المكان  يسكنه احياء, وان كان الصوت يخرج من حديد .
وبدأت افقد قدرتى على الاحتمال , واصبح همى ان انجزعملى لأغادرالمكان ,  ولكنى كنت على موعد مع الفصل الأشد قسوة . فأثناء الحوار مع مدير المستشفى اندفعت نحوى شابة فى العشرينيات  من العمر , جميلة , ريفية  , ترتدى جلبابا ملونا صيفيا به قطع من عند الكتف ولكنه لا يظهر جسدها  , قطعت التسجيل و قالت لى : انتى اللى دخلتينى هنا , خرجينى من هنا مش عايزة استنى فى المكان ده .
لم اشعر بالخوف , و كأننى اصاببنتى عدوى الذهول.. وفى لحظة لحقت ثلاث ممرضات بها يحاولن جذبها برفق بعيدا عن الكاميرا
وأجبت: انا ما جبتكيش هنا ولكن ممكن تخرجى إذا أخدتى الدوا
تدخل المدير فى الحوار وسأل : انتى هنا من أمتى ..
أجابت : 8 سنين
قال : لا  8 أيام و لازم تاخدى الدوا
واضح انها كانت مصممة على توجيه الكلام لى , ربما لانها أدركت بفطرتها أنى وجه جديد على المكان التعيس , أو أنى لم ان انل نصيبى من التعاسة فى هذا المكان بعد ..
اجابت : الدوا بيخلى عنيا مقلوبين لفوق ..
أخذت تنظر لأعلى وتلمس عينيها بأصابعها كطفلة , لحظتها أدركت , كم كانت مشاعرى هشة , لم تحتمل مراقبة الفتاة,,  و تخيلت ما قد يحل على هذه الشابة بعد أن نغادرمن أهوال الاستغلال الذى نسمع أن المريضات يتعرضن له , وكيف تعيش من هى فى مثل عمرها بعيدا عن الابتلاء بالمرض ,  و بعيدا عن تلك القلعة المشؤمة ,الفتاة فى مثل عمرها تستعد للزواج  ,وليس للدفن على قيد الحياة ,ولكن لا راد لقضاءه
 و اخذت اربت على كتف الفتاة كسبيل وحيد للمواساة,رغم انعدام جدواه
دخلنا الى المشغل .. المنتجات شديدة الدقة والجمال تتناقض بشكل كامل واقع المكان , وجدت النزيلات يعملن فى الكورشيه والتطريز بإستماتة وكأن ذلك كل ا يربطهن بالحياة ..
كانت القاعة تضم أكثر من عشر مريضات , لم اسمع لإحداهن صوتا , ولم تنظر لنا .. فقط الاخصائية الإجتماعية تتكلم عن المنتجات ونوع التدريب .. الى ان لفت نظرى شئ غريب على مائدة العرض , يبدو كتابلو , أو سجادة باللوان زاهية ورسومات غير منتظمة , عندما لمسته وجدته شوال بلاستك مشغول بالصوف ,, ابتسمت الاخصائية قالت:إن إحدى النزيلات شغلته بالصوف المتبقى من السجاد على مدى خمس سنوات, وأشارت اليها ووجدتها تتوارى خجلا من ثنائى على ابداعها ودقة عملها .
واخذت استعرض باقى المنتجات من سجاد ومفارش , عمل رائع والوان مبهجة تجرج من ذلك السرداب المظلم .. شئ لا يصدقه عقل . طلبت من المصور ان يأخد لقطات للشوال لإعجابى به .. واخذت ابحث عنه .. لم اجده ,, ووجدت الاخصائية .. تبتسم وتقول: انها تخفيه فى الدولاب وتخاف عليه , وطلبت منها احضار الشوال ..
صورناه ,, واحتضنته واخفته مرة أخرى .
كانت هذه اللقطات هى الأخيرة فى ذلك اللقاء المرعب ..من يدخل الى هذا المكان لن يخرج نفس الشخص الذى دخل سواء كان عاقلا أو مجنونا , زائرا او مريض , سواء بقى ساعات أ م سنوات , انه كالحواديت المرعبة , أرض مسحورة تدخلها شاب , ما هى الا ساعات مرهونة بمغيب الشمس حتى تتحول الى عجوز..
كوابيس المجتمع كله اجتمعت فى هذا المكان التعس وهذة الرقعة الفسيحة الموحشة , مخاوف البشرية من  عدم الاتزان , الهلوسة , الفقر , الإهمال , الوحدة , كل ذلك تركز هنا حيث الجنون ,  ولكن المجتمع يحمى نفسه من هؤلاء فهم خطر وهذه الاسوار تعزلهم عنه ,و لكن اليس لهؤلاء حق عندنا ؟؟ الم يثبت اللقاء ان الجنون لحظة , وان المجنون يميز الشخص الجديد فى مجيطه , ويميز من بشاهدهم فى التليفزيون , ما يحبه من أشياء  والبشر , وقادر على الابداع  و يتشيث بأشيائه .. كل هذا يعنى انه انسان اصابه خلل وإن كان جسيما , ويستحق معاملة آدمية من الناحية العاطفية والصحية على حد سواء .. ولكننا جميعا لم نتذكر سوى حقنا فى عزلهم وخشينا ان نتذكر انسانيتهم .. فهجرت وظلمت .
داخل مستشفى المجانين ستلتقى وجا لوجه مع ضميرك وضمير مجتمع , وتستكتشف انك بلا ضمير , وستدير لظهرك للحقيقة وتخرج مهرولا داعيا الله ان تنسى ما رأيت .. لا أن يغفر لك أنك مشارك فى هذه الجريمة التى تدور فى ذلك المكان المنعزل , وان الجنون اقرب لك مما تتصور, وان ما يفصلك عنه هو لحظة الم  يعجز عقلك عن احتماله.










Monday, 9 February 2015

أبو القاسم الشابى .. وقود الثورة , والعشق

أبو االقاسم الشابى ... شاعر الثورة والحب 
هذان البيتان.. اصبحا نار على علم فى العالم العربى بأسرة  , فهما رمز الثورة وشعارها فى تونس ومصر .. ولكن هل يتصور الثوار ان شاعرهم مهلم الثورة  كتب قصيدة  من أروع ما كتب فى العصر
ها هم أشهر بيتين من قصيدة الثورة :
إذا الشعــب يومــا أراد الحيــاة فلا بـــد أن يستجيب القــدر
ولا بـــد لليــــل أن ينجلـــي ولابـــــد للقيـــــد أن ينكســـــر
يبدو أن الثورة فى الحب لم تكن بعيدة عن شاعرنا الذى عاش ثائرا ومات شابا فىالخامسة والعشرين من عمرة بذات الصدر .. لكنه حظى بشهرة عظيمة لم يحظى بها من عاشواأضعاف عمره لموهبته الفذة و حسه الشعرى المتفرد .
من أروع ما كتب "صلوات فى هيكل لحب "عذْبة ٌ أنتِ كالطّفولة ِ، كالأحلامِ                  
                   كاللّحنِ، كالصباحِ الجديدِ
كالسَّماء الضَّحُوكِ كالليلة ِ القمراءِ                  
                   كالورد، كابتسام الوليدِ
يا لها من وَداعة ٍ وجمالٍ                  
                   وشبابٍ مُنَعَّم أمْلُودِ!
يا لها من طهارة ٍ، تبعثُ التقديـ                  
                   ـسَ في مهجة الشَّقيِّ العنيدِ!..
يالها رقَّة ً تكادُ يَرفُّ الوَرْ                  
                   دُ منها في الصخْرة ِ الجُلْمُودِ!
أيُّ شيء تُراكِ؟ هلى أنتِ "فينيسُ"                  
                   تَهادتْ بين الورى مِنْ جديدِ
لتُعيدَ الشَّبابَ والفرحَ المعسولَ                  
                   للْعالم التعيسِ العميدِ!
أم ملاكُ الفردوس جاء إلى الأر                  
                   ضِ ليُحييِ روحَ السَّلامِ العهيدِ!
أنتِ..، ما أنتِ؟ أنتِ رسمٌ جميلٌ                  
                   عبقريٌّ من فنِّ هذا الوجودِ
فيكِ ما فيه من غموضٍ وعُمقٍ                  
                   وجمالٍ مُقَدِّسٍ معبودِ
أنتِ.. ما أنتِ؟ أنتِ فَجْرٌ من السّحرِ                  
                   تجلّى لقلبيَ المعمودِ
فأراه الحياة َ في مونِق الحسن                  
                   وجلّى له خفايا الخلودِ
أنتِ روحُ الرَّبيعِ، تختالُ فـ                  
                   الدنيا فتهتزُّ رائعاتُ الورودِ
وتهبُّ الحياة سكرى من العِطْر،                  
                   ـر، ويدْوي الوجودُ بالتَّغْريدِ
كلما أبْصَرَتْكِ عينايَ تمشين                  
                   بخطوٍ موقَّعٍ كالنشيدِ
خَفَقَ القلبُ للحياة ، ورفّ الزّهـ                  
                   رُ في حقل عمريَ المجرودِ
وأنتشتْ روحي الكئيبة ُ بالحبِّ                  
                   وغنتْ كالبلبل الغرِّيدِ
أنتِ تُحِيينَ في فؤادي ما قد                  
                   ماتَ في أمسي السعيدِ الفقيدِ
وَتُشِيدينَ في خرائبِ روحي                  
                   ما تلاشى في عهديَ المجدودِ
من طموحِ إلى الجمالِ إلى الفنِّ،                  
                   إلى ذلك الفضاءِ البعيدِ
وتَبُثِّين رقّة َ الشوق، والأحلامِ                  
                   والشّدوِ، والهوى ، في نشيدي
بعد أن عانقتُ كآبة ُ أيَّامي                  
                   فؤادي، وألجمتْ تغريدي
أنت أنشودة ُ الأناشيد، غناكِ                  
                   إله الغناءِ، ربُّ القصيدِ
فيكِ شبّ الشَّبابُ، وشَّحهُ السِّحْرُ                  
                   وشدوُ الهوى ، وَعِطْرُ الورودِ
وتراءى الجمالُ، يَرْقُصَ رقصاً                  
                   قُدُسيَّا، على أغاني الوجودِ
وتهادتْ في لإُفْقِ روحِكِ أوْزانُ                  
                   الأغَاني، وَرِقّة ُ التّغريدِ
فَتَمايلتِ في الوجود، كلحنٍ                  
                   عبقريِّ الخيالِ حلوِ النشيدِ:
خطواتٌ، سكرانة ُ بالأناشيد،                  
                   وصوتٌ، كرجْع ناي بعيدِ
وَقوامٌ، يَكَادُ يَنْطُقُ بالألحان                  
                   في كلِّ وقفة ٍ وقعودِ
كلُّ شيءٍ موقَعٌ فيكِ، حتّى                  
                   لَفْتَة ُ الجيد، واهتزازُ النهودِ
أنتِ..، أنتِ الحياة ُ، في قدْسها                  
                   السامى ، وفي سحرها الشجيِّ الفريدِ
أنتِ..، أنتِ الحياة ُ، في رقَّة ِ                  
                   الفجر في رونق الرَّبيعِ الوليدِ
أنتِ..، أنتِ الحياة ً كلَّ أوانٍ                  
                   في رُواءِ من الشباب جديدِ
أنتِ..، أنتِ الحياة ُ فيكِ وفي عينَيْـ                  
                   وفي عيْنَيْكِ آياتُ سحرها الممدُودِ
أنتِ دنيا من الأناشيد والأحْلام                  
                   والسِّحْرِ والخيال المديدِ
أنتِ فوقَ الخيال، والشِّعرِ، والفنِّ                  
                   وفوْقَ النُّهَى وفوقَ الحُدودِ
أنتِ قُدْسي، ومَعبدي، وصباحي،                  
                   وربيعي، ونَشْوَتِي، وَخُلودي
يا ابنة َ النُّور، إنّني أنا وَحْدي                  
                   من رأى فيكِ رَوْعَة َ المَعْبُودِ
فدَعيني أعيشُ في ظِلّك العذْبِ                  
                   وفي قرْب حُسْنك المشهودِ
عيشة ً للجمال والفنّ والإلهام                  
                   والطُّهرْ، والسّنَى ، والسّجودِ
عيشة َ النَّاسِكِ البُتولِ يُنَاجي الرّ                  
                   بَّ في نشوَة ِ الذُّهول الشديدِ
وامنَحيني السّلامَ والفرحَ الرّو                  
                   حيَّ يا ضَوْءَ فجْريَ المنشودِ
وارحَميني، فقدْ تهدَّمتُ في كو                  
                   نٍ من اليأس والظلام مَشيدِ
أَنقذِيني من الأَسى ، فلقد أَمْسيـ                  
                   أَمْسَيتُ لا أستطيعُ حملَ وجودي
في شِعَابِ الزَّمان والموت أمشي                  
                   تحت عبءِ الحياة جَمَّ القيودِ
وأماشي الورَى ونفسيَ كالقبرِ،                  
                   ـرِ، وقلبي كالعالم المهدودِ
ظُلْمَة ٌ، ما لها ختامٌ، وهولٌ                  
                   شائعٌ في شكونا الممدودِ
وإذا ما اسْتخفّني عَبَثُ النَّاس                  
                   تبسَّمتُ في أسَى ً وجُمُودِ
بسمة ً مُرَّة ً، كأنِّيَ أستلُّ                  
                   من الشَّوْك ذابلاتِ الورودِ
وانْفخي في مَشَاعِري مَرَحَ الدُّنيا                  
                   وشُدِّي مِنْ عزميَ المجهودِ
وابعثي في دمي الحَرارَة ، عَلَّي                  
                   أتغنَّى مع المنى مِنْ جَديدِ
وأبثُّ الوُجودَ أنْغامَ قلبٍ                  
                   بُلْبُليٍّ، مُكَبَّلٍ بالحديدِ
فالصباحُ الجميلُ يُنعشُ بالدِّفءْ                  
                   حياة َ المحطَّمِ المكدودِ
أَنقذيني، فقد سئمتُ ظلامي!                  
                   أَنقذيني، فقد مللتُ ركودي
آهِ يا زَهرتي الجميلة ُ لو تَدْرِين                  
                   ما جَدَّ في فؤادي الوَحِيدِ
في فؤادي الغريبِ تُخْلَقُ أكوانٌ                  
                   من السحر ذات حسن فريد
وشموسٌ وضَّاءة ٌ ونجومٌ                  
                   تَنْثُرُ النُّورَ في فَضَاءٍ مديدِ
وربيعٌ كأنّه حُلُمُ الشّاعرِ                  
                   في سَكرة الشّباب السعيدِ
ورياضٌ لا تعرف الحَلَك الدَّاجي                  
                   ولا ثورة َ الخَريفِ العتيدِ
وَطُيورٌ سِحْرِيَّة ٌ تتناغَى                  
                   بأناشيدَ حلوة ِ التغريدِ
وقصورٌ كأَنَّها الشَّفَقُ المخضُوبُ                  
                   أو طلعة ُ الصباحِ الوليدِ
وغيومٌ رقيقة تَتَادَى                  
                   كأَباديدَ من نُثَارِ الورودِ
وحياة ٌ شعريَّة ٌ هي عندي                  
                   صورة ٌ من حياة ِ أهلِ الخلودِ
كلُّ هذا يشيدهُ سحرُ عينيكِ                  
                   وإلهامُ حسْنكِ المعبودِ
وحرامٌ عليكِ أن تَهْدمي ما                  
                   شَادهُ الحُسْنُ في الفؤاد العميدِ
وحرامٌ عليكِ أن تسْحَقي آمـ                  
                   ـالَ نفسٍ تصْبو لعيشٍ رغيدِ
منكِ ترجو سَعَادَة ً لم تجدْهَا                  
                   في حياة ِ الوَرَى وسحرِ الوجودِ
فالإلهُ العظيمُ لا يَرْجُمُ العَبْدَ                  
                   إذا كانَ في جَلالِ السجود

حقا , لا أدرى من كتبت فيها  هذه القصيدة .. وهل تدرى أن رجلا أحبها وخلد حبها , وجعل نساء العرب كلهن يحسدنها . كم اتنمنى ان تكون تعلم .. كما اتمنى أن تكون عاشت الحب فى مشاعر الشاعر , قبل أبياته ..
كم انت محظوظة , أيتها المعشوقة . 
عرض عناصر أقل